وأما قوله تعالى في سورة هود:{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}[هود: ٧٤]، فإنه يُؤَيِّدُ الاحتمالَ الأوَّلَ، ولا يمْنَعُ أن يكونَ إبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ قال ذَلِكَ للغَرَضينِ، وعلى كِلا الاحتمالين فَفِيهِ دَليلٌ على رَأْفَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وهذا مَشْهُورٌ عنه حتى قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:{فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم: ٣٦].
الفَائِدةُ الثَّانِية: إثباتُ القولِ والعِلْمِ للملائكَةِ مما يَدُلُّ على أنهم ذَوُو عقولٍ، وذَوُو نُطْقٍ خلافًا لمن قال: إنهم لا عقولَ لهم، وهذا مِنْ أغربِ ما يكون، أن يكونَ هؤلاء الملائكةُ الذين يُسَبِّحونَ الليلَ والنَّهارَ لا يَفْتَرُونَ، والذين وَصَفَهُم اللَّه تعالى بأنهم عبادٌ مُكْرمُونَ؛ أن يكونوا لا عقولَ لهم، فمن له عقلٌ بعد ذلك؟ ! وخلافًا أيضًا لمن قال: إنهم أرواحٌ لَيْسُوا أجسَادًا، وقد تقدم.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: جوازُ إضافَةِ الشيءِ إلى سبَبِهِ، لقولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{لَنُنَجِّيَنَّهُ}، ومعلوم أن الإنجاءَ مِنَ اللَّه، لكن لما كانتِ هؤلاءِ الرُّسُلُ رسلُ اللَّهِ أُضِيفَ إليهم فِعْلُ اللَّه، أي: أن ما قَدَّرَهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو فِعلُهُمْ، وإضافة الشيء إلى سبَبِهِ له أربعةُ وُجوهٍ:
الوجهُ الأَوَّلُ: أن يُضافَ إلى السببِ الحِسِّيِّ أو الشَّرْعِيِّ بدونِ ذِكرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
الوجهُ الثَّانِي: أن يُضافَ إلى السَّببِ الحِسِّيِّ أو الشَّرْعِيِّ مع اللَّه بـ (الواو).
الوجه الثالثُ: أن يُضافَ إلى السببِ الحِسيِّ أو الشَّرْعِيِّ معَ اللَّه بـ (ثُم).
الوجهُ الرابع: أن يُضافَ إلى السَببِ الحِسِّي أو الشَّرْعي مع اللَّهِ بـ (الفاء).
فالوجهُ الأول جائزٌ، ومِنَ الأدلة على جوازِه قولُه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في أبِي طالِبٍ: