للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ" (١)، والحقيقةُ أن الذي منَعَهُ أن يكونَ في الدَّركِ الأسفلِ مِنَ النار اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكنَّ الرسولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سببٌ، ومن الأَدِلَّةِ أيضًا هذه الآية.

والوجهُ الثَّانِي: إذا أُضِيفَ السببُ الحسِّيُّ أو الشَّرعي مع اللَّهِ بالواو فهذا شِرْكٌ، ودَليلُهُ قولُ الرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- للرجلِ الذي قال له: ما شَاءَ اللَّهُ وشئتَ، قال: "أَجَعَلْتَنِي للَّه نِدًّا، قُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ" (٢)؛ ولأن التَّعليلَ يقتَضِي أن يجعلَ هذا السببَ مُسَاوِيًا للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هذا حُكْمُهُ لا يجوز، وقد يكون شِرْكًا أكبرَ أو أصغر بحسْبِ ما قام في قَلْبِ هذا المشْرِكِ، إنما هو شركٌ على كُلِّ حالٍ.

الوجهُ الثالثُ: إذا أُضيفَ السَّببُ معَ اللَّه بـ (ثُم)، فهذا جائزٌ ودَلِيلُهُ حديثُ قُتَيلَةَ وفيه: "فَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: ورَبِّ الكَعْبَةِ، ويَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ" (٣)، وكذلك حديثُ ابنِ عباس -رضي اللَّه عنهما- وهو مَشْهُورٌ (٤)، والتعليل أن (ثُم) تَدُلُّ على التَّرييبِ بمُهْلَةٍ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قصة أبي طالب، رقم (٣٦٧٠)؛ ومسلم: كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، رقم (٢٠٩).
(٢) أخرجه النسائي في الكبرى: كتاب عمل اليوم والليلة، باب النهي أن يقال: ما شاء اللَّه وشاء فلان، رقم (١٠٨٢٥) عن ابن عباس بلفظ: أن رجلًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلمه في بعض الأمر، فقال: ما شاء اللَّه وشئت، فقال النبي: "أَجَعَلْتَنِي للَّه عَدْلًا، قُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ".
(٣) أخرجه النسائي: كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالكعبة، رقم (٣٧٧٣) عن قتيلة بن صيفي بلفظ: أن يهوديًا أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون، تقولون: ما شاء اللَّه وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: "ورب الكعبة" ويقولون: "ما شاء اللَّه ثم شئت".
(٤) أخرجه ابن ماجه: كتاب الكفارات، باب النهي أن يقال: ما شاء اللَّه وشئت، رقم (٢١١٧) بلفظ: "إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتُ. وَلَكِنْ يَقُلْ: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتُ".

<<  <   >  >>