الوجهُ الرَّابعُ: إذا أُضِيفَ السَّببُ مع اللَّهِ بـ (الفاء) فمن حيثُ إنها للتَّعْقِيبِ تكونُ جائزةً، ومن حيثُ إنها مباشَرَةٌ تكون غيرَ جائزةٍ، والأَوْلى للإنسانِ تَركُها.
الفَائِدتانِ الرَّابعةُ والخامِسَةُ: أن الزوجَةَ داخِلَةٌ في الأهلِ، لقولِ الملائكة:{لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ}، ثم استَثْنَوْا مِنْ ذلكَ امرأتَهُ.
لو قالَ قائلٌ: هذا الاستثناءُ مُنْقَطِعٌ فلا دَلالَةَ فِيهِ؛ لأن الاستثناءَ المنْقَطِعَ أن يكونَ المسْتَثْنَى من غيرِ جِنسِ المستَثْنَى منه، فتكونُ امرأتهُ ليست مِن الأهلِ؟
فالجواب: إن الأصلَ في الاستِثْناءِ الاتصالُ؛ لأنه لَولا أنه مِنَ المسْتَثْنَى ما احتِيجَ إلى إخْراجِهِ. وينْبَنِي على هذا الفَائِدةِ أن أزْواجَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهلِ بَيْتِهِ ولا شَكَّ، خِلافًا للرَّافِضَةِ الذين يُخْرجُونَ زوجاتِهِ مِنْ أهلِ بيتِهِ، وفي القرآنِ ما يدُلُّ على ذلك صَرِيحًا، قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب: ٣٣].
الفَائِدةُ السَّادسَةُ: أن الاتصالَ بالصالِحِ لا يستلِزْمُ أن يكون المتَّصِلُ صالحًا وإن كان الاتصالُ بالصالحِ مِن أسبابِ الصَّلاحِ، ولهذا حثَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على الجليسِ الصَّالحِ (١)، لكنه ليس بلازمٍ، لقوله تعالى:{إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}، أي: كانت مِنَ الهالِكِينَ أو الباقِينَ في الهلاكِ مع أنها امرأةُ رَجلٍ صالحٍ
(١) أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع. . .، رقم (١٩٩٥)؛ ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء، رقم (٢٦٢٨) عن أبي موسى الأشعري، ولفظ مسلم: "إِنَّمَا مَثَلُ الجلِيسِ الصَّالِح وَالجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ المسْكِ وَنَافِخِ الْكِير فَحَامِلُ المسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِير إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً".