للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاءَهُ قومُه يُهْرعُونَ إليه، يعني: مُسْرِعينَ -والعياذ باللَّه- يُريدونَ هؤلاءِ الأضيافَ، وهذا مِنْ فِتْنَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للعبدِ أن يجعلَ الأُمورَ المحرَّمَةَ عليه في صورةٍ تَهْواهَا نفسه، ليَعْلَمَ اللَّهُ من يخافُهُ بالغَيْبِ.

فهم -والعياذ باللَّه- لما جاءوا إلى لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرِيدُونهم قال لهم: {قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: ٧٨]، فقالَ له الرُّسُلُ: {لَا تَخَف وَلَا تَحْزَنْ}.

الخوفُ مِمَّا يُتَوَقَّعُ حُدوثَهُ في المستقبلِ، والحُزنِ مما وقَعَ في الماضِي، وقد يقعُ الحُزن لما يتَوَقَّعُ في المستقبلِ، ومثالُهُ قولُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لأبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، فقولُهُ: {لَا تَحْزَنْ} بمَعْنَى: لا تَخَفْ، ويُحْتَمَلُ أن تكونَ على بابها، أي: لا تحْزنْ مما حَصَلَ من خُروجِنَا ودُخُولِنَا إلى الغَارِ واخْتِبَائِنَا.

قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا}، مَا حصَلَ لِلُوطٍ من كونِهِ سِيء بهم وضاقَ بهِمْ ذَرْعًا.

وهل السَّببُ الخوفُ عليهم مِنْ قومِهِ، أو السببُ أنه خافَ أن يُعُمَّه الهلاكُ؟

الجواب: لا مانِعَ من أن يكونَ خافَ عليهِمْ وخافَ أيضًا على نَفْسِهِ أن يَعُمَّهُ العذابُ؛ لأن العذابَ إذا نَزَلَ يَعُمُّ إلا مَنْ أنْجَاهُ اللَّه، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: ٩٣ - ٩٤]، فكُلُّ إنسانٍ مُعَرَّضٌ لأن يشْمَلَهُ العذاب، فالجملةُ إما استئنافِيَّةٌ أو تَعْلِيلية، وإن كانت تحتاجُ إلى تَأَمُّلٍ.

<<  <   >  >>