للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَائِدةُ الثَّانِية: تشريفُ هؤلاءِ الرُّسُلِ لإضافَتهِمْ إلى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن الشيء يَشْرُفُ بشَرَفِ ما يُضافُ إليه.

الفَائِدةُ الثَّالِثة: الأنبياءُ كغَيرهِمْ مِنَ البَشر يَلحَقُهم المساءَةُ والأحزانُ والسُّرورُ، لقولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {سِيءَ بِهِمْ} فالعَوارِضُ البَشَرِيَّةُ لا تُنَافي كَمالَ الرِّسَالاتِ، ولهذا قالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ" (١)، وكذلك يَعْتَرِي الأنبياءُ البردَ والحرَّ والجوعَ والعَطَشَ.

الفَائِدةُ الرَّابِعة: شدة احتِرَازِ لُوطٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ قومِهِ؛ لأنه إنما سِيءَ بهِمْ وضاقَ بهم ذَرْعًا، أي: خَوفًا عليهم من قَومِهِ؛ لأنهم جاءوا بصُورةِ شبابٍ ذَوي جَمالٍ وحُسْنٍ، فتنةً من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

الفَائِدةُ الخامِسة: الاستدلالُ على الأحوالِ بالملامِحِ، لقولهِمْ: {لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ}، ولأنهم رَأَوا مِنَ العلاماتِ الظاهِرَةِ على مَلامحِهِ ما يَدُلُّ على خوفِهِ.

الفَائِدةُ السَّادسَة: وهي مَبْنِيَّةٌ على الفَائِدةُ السابِقَةِ: العَمَلُ بالقَرائنِ، والعملُ بالقَرائنِ ثابِتٌ في القُرآنِ، ودَلِيلُه مِنْ قِصَّةِ يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: ٢٦ - ٢٧]، هذه قَرِينَةٌ، وأيضًا في قصَّة سُليمانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ في المرْأَتَينِ اللَّتَيْنِ تنازَعَتَا الغُلامَ، فدَعَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بالسِّكِّينِ ليَشُقَّهُ نِصْفَينِ فوافقَتِ الكُبْرَى لأن ولَدَها أكلَهُ الذئبُ، فأرادتْ هلاكَهُ، وأما الصغيرةُ فقالت: يا نبي اللَّه هو لها، أدْرَكَهَا الحنانُ،


(١) أخرجه البخاري: كتاب أبواب القبلة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، رقم (٣٩٢)؛ ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم (٥٧٢).

<<  <   >  >>