للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعلم بهذه القَرينَةِ أنه للصُّغْرَى (١).

وأيضًا في شَرِيعَتِنَا شَريعَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قِصَّة ذَهبِ حُيَيِّ بنِ أخطبَ لما سألَ عن مالِهِ أين هو؟ فقالوا: يا مُحَمَّدُ أذهْبَتْه الحروبُ والسُّنُونُ، فقال: "المَالُ كَثِيرٌ وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ"، ثم دفع الرجلُ إلى الزُّبَيرِ بنِ العوَّامِ، قيل: فَمسَّهُ بِعذابٍ، فلما أحسَّ بالعذاب قال: انتظر، إني أَرَى حُيَيِّ بن أخطبَ يدورُ حول هذه الخَرِبَةِ فلعله دَفنَهُ فيها، فوجودُه فِيهَا (٢)، فهذا من العَملِ بالقَرائنِ.

الفَائِدةُ السَّابِعة: أنه ينْبَغِي طمأنَةُ الخائفِ ليزُولَ عنه الخوفُ، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ}، ومن هذا ما يُسْتَعْمَلُ في الطِّبِّ الآن، فإن الطبيبَ يقولُ للمريضِ: هذا أمرٌ سَهْلٌ وهَيِّنٌ -يطمئنه- لأجل أن ينْشَرِحَ صَدرُهُ.

الفَائِدةُ الثَّامِنة: إزالَةُ المؤْذِي قبلَ حُصُولِ السَّار لقوله: {إِنَا مُنَجُّوكَ} فبدؤوا بنفي الخَوفِ والحزنِ ثم أعْقَبوهُ بالبِشارةِ؛ ولهذا من الكلماتِ المشهورة عند أهل العِلْمِ يقولونَ: (التَّخْلِيَةُ قبلَ التَّحْلِيَةِ)، يعني: جَرِّدِ الشَّيءَ مِمَّا يَشُوبُهُ من النَّقْصِ ثم بعد ذلك كمِّلْهُ بالتحْلِيَةِ، ومن كلمة الإخلاص: (لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ) النَّفْي أسبَقُ مِنَ الإثباتِ.

الفَائِدةُ التَّاسعةُ: أن الاتِّصَالَ بالصَّالحِ لا يَلزمُ منه الصَّلاحُ، وقد تقدم نحوه.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء، باب قول اللَّه تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، رقم (٣٢٤٤)؛ ومسلم: كتاب الأقضية، باب بيان اختلاف المجتهدين، رقم (١٧٢٠) عن أبي هريرة ولفظ مسلم: "بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُما ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بابْنِكِ أَنْتِ وَقَالَتْ الْأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إلَى دَاوُدَ فَقَضَى بهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِما السَّلَامُ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا فَقَالَتْ الصُّغْرَى لَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بهِ لِلصُّغْرَى".
(٢) أخرجه أبو داود: كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر، رقم (٣٠٠٦).

<<  <   >  >>