للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأيضًا قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٥٥]، وأيضًا قال تعالى في سورة البَيِّنَة عنهم: {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: ٦].

لو قال قائلٌ: ليس المرادُ الأُخُوَّةُ الإيمانية، إنما المرادُ بالأُخُوَّةِ التي تَتعَلَّقُ بالناحية البشريةِ، يعني: مُطْلَقُ الموافَقَةِ والمشابَهَةِ؟

الجواب: نقول: هذا شُعَيبٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال اللَّه في هذه الآية: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} وقال في سُورة الشُّعراءِ: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: ١٧٦ - ١٧٧]، ولم يقل: أخوهم، قال أهلُ العلمِ: أن أصحابَ مَدْينَ كان شعيبٌ منهم، فهو أخوهم في النَّسَبِ، وأصحابُ الأيَكْةِ ليس منهم في قَرْيَةٍ حولَ مَدَيْنَ أرسلَهُ اللَّه إليها، ولو كانت الأُخَوَّةُ هي الأخوة الإنسانيةُ لكانَ يُقالُ في أصحابِ الأيكة أيضًا: إنه أخُوهُمْ، كما قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: ٦٥]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: ٧٣].

ثم إن الأُخُوَّةَ في اللغة العربية ليست مطلَقَ الموافَقَةِ في البشرية، إذا تَتَبَّعْنَاهَا وجدنا الأخُوَّة إما في النَّسَبِ فيكونُ الأصل الجامع بينهما نَسَبًا، وإما أن يكونَ الأصلُ الجامِعُ هدفًا واحدًا يَسْعَى إليه الجميع، ومعلوم أن المسلِمَ والكافرَ مختلفانِ في الهدَفِ، ولا يمكن أن يكون أحدُهُما موافقًا للآخر.

والحاصل: أننا لا نوافِقُ على هذا القول مهما كان الأمْرُ؛ لأن أي مُسلِمٍ يقول: هذا الكافِرُ أَخُوهُ، لا شك أنه سيَحْصُلُ له رِقَّةٌ ولينٌ وموافقة، ويُسَهِّل ما في النفوس من بُغضِ الكفَّارِ، وكنا في السابق إذا قيل: نَصْرَانِيٌّ أو يهودي يتخوف الإنسانُ ويتَهَيَّبُ، والآن صارت المسألة تَمُرُّ على القلب مُرورَ الماء الباردِ، ولا يتأثر أحد إلا ما شاء اللَّه، وهذا له خَطَرُه العظيم، نسأل اللَّه السلامة.

<<  <   >  >>