للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: [{وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} كقَارُونَ]: خَسفَ اللَّه بِهِ وبدَارِهِ الأرضَ، وبَقِي فيها إلى يومِ القِيامَةِ، وما نَفَعَه بيْتَهُ الذي احتَمى فيه ولا مالَه الذي كَنَزَهُ.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: [{وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} كقومِ نُوحٍ وفِرعونَ وقَومِهِ]: فِرعونُ وقومُه أهْلِكُوا بالغَرقِ، غَرقوا في البحر الأحمر، أغْرَقَ اللَّه فِرعونَ بما كان يفْتَخِرُ به، قال لقومِهِ: {يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: ٥١]، فأخْرجَهُ اللَّه من مِصْرَ وأهلكَهُ بمثلِ ما افتَخَرَ به -بالماء- فأهلكَهُ اللَّه، فما فاتَه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، مع أن فِرعونَ حين إهْلاكِهِ كانَ يظن أنه منتَصِرٌ لأنه أَرسَلَ في المدائن حَاشِرينَ، وجمعَ الناس واتَّبَعُوا موسى وقومه على أن الأمرَ يَسيرٌ وأنهم في قَبْضَتِهِم؛ لأنهم ظنُّوا أن مُوسَى وقومَه إما أن يَسْقُطوا في البحر أو يأخُذُوهم أخْذًا لا هَوادَةَ فيه، فكانَ -والحمد للَّه- الأمرُ على عَكسِ ما ظَنُّوا؛ أهلكَ اللَّه فِرعونَ وقومَه وأنْجَى مُوسى وقَومَه.

وأما قومُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فأُغْرقُوا بالطُّوفانِ العظيم، فأمرَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السماءَ ففُتِحتْ أبوابُها بماءٍ منْهَمرٍ، وفجَّرَ اللَّه الأرضَ عُيونًا، انظر إلى التعبيرِ القُرآنِيِّ، لم يَقُلْ: فجَّرنَا عيون الأرض؛ لأنه لو عبَّر بهذا لكان شيءٌ كثيرٌ من اليابِسِ لم يتفَخَّرْ، لك التعبيرُ القرآني: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: ١٢]، كأنَّ الأرض كلَّها صارَتْ عُيونًا، حتى إن التَّنُّورَ الذي هو مَحِلُّ إيقادِ النارِ وأبعد ما يكونُ عَنْ ظُهورِ الماء صارَ يَفُورُ عُيونًا، سبحان اللَّه العظيم! {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: ١٢]، حتى عَلا قِمَمَ الجبالِ واستوتِ السَّفينَةُ على الجُودِيِّ، والجودِيُّ هو الجبلُ الرَّفيعُ جدًّا، وحمل الماءُ السفينةَ إلى أن رَسَتْ على هذا الجبلِ مما يدُلُّ على كثرةِ هذه المياهِ.

<<  <   >  >>