الأسبابَ، وأما نحنُ أهلَ السُّنَّةِ والجماعة فنؤمنُ بالأسبابِ؛ لكنَّنا لا نقول: إن هذه أسبابٌ مؤثرةٌ بنَفْسِهَا، لكن بخَلقِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها التأثيرُ.
الفَائِدةُ السَّادسَة: أن الجزاءَ من جِنْسِ العملِ، وهذا على الاحتمالين فِي الباء: البَدَلِيَّةِ أو المقابلَةِ لقولِهِ: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}، ومِنَ المعلومِ أن الجزاءَ من جِنسِ العَملِ في الجزاءاتِ الشَّرعِيَّةِ وفي الجزاءاتِ الكونيَّة، الجزاءات الشرعِيَّةُ مثلُ الحُدود، فالعقوباتُ المقدَّرةُ من قِبَل الشرْع كلُّها في الواقِعِ عقوباتٌ موافِقَةٌ للحِكمة، فقَطع اليدِ بالسَّرقةِ لا شكَّ أنه موافق للحِكْمَةِ؛ لأن اليدَ بها الأخذ والإعطاءُ، وقطعُ الأيْدي والأرْجلِ من خِلافٍ في عقوبَةِ قطَّاعِ الطريقِ موافِقةٌ للحِكمةِ؛ لأن قطَّاعَ الطريق يعْتَدونَ على الناس بأيْدِيهِمْ وأرجُلهِمْ، ورَجْمُ الزانِي بالحجارةِ دُونَ قتلِهِ بالسيفِ موافِقٌ للحِكْمَةِ، وهكذا كلُّ العُقوباتِ الشَّرعيةِ والكونيةِ فإنها موافقةٌ للحِكْمَةِ، ويَدُلَّ على هذا قوله تعالى:{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}.
الفَائِدةُ السَّابِعةُ: أن العُقوباتِ لا تأتي مِن نوعٍ واحد، بل تأتِي مِنْ أنواعٍ مُتَعَدِّدةٍ بحسبِ حالِ المعَاقَبِ لقولِهِ:{فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} هذه الأنواعُ الأربعَةُ ذِكْرهُا له حِكمَةٌ؛ لأن قولَهُ عَزَّ وَجَلَّ:{فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} هذا إهلاكٌ من فَوْق, {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} هذا إهلاكٌ من تحْت، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} هذا إهلاكٌ بالقولِ والصَّوتِ، وقوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} هذا إهلاكٌ بالماءِ.
الفَائِدةُ الثَّامِنة: كمال عَدْلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لقولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ}، وهذه الصَّفةُ من الصفاتِ السَّلبِيَّةِ، والصفاتُ السلبيَّةُ لا تكون مدْحًا