للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا إذا تَضَمَّنَتْ ثُبوتًا، فمُجَرَّدُ النفي ليس بمدحٍ إلا إذا تضَمَّنَ ثُبوتًا، إذا نَفَى اللَّه الظُلْمَ عن نفسه فليس معناه أنه لا يَظْلِمُ فقط، بل لكَمالِ عَدْلِهِ لا يظْلِمُ، وليس المعنى أنه غيرُ قادِرٍ على الظلمِ بل هو قادِرٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على أن يظْلِمَ لكنَّه لكمالِ عَدْلِه لا يظلم، ولو كان غيرَ قادِرٍ على الظلم لم يكن نَفْي الظلمِ عن نفْسِهِ مَدْحًا.

والجَبْرِيَّةُ يقولون: إن الظلمَ مُحالٌ على اللَّه لذَاتِهِ لا لعَدَمِ إرادةِ اللَّهِ، وذلك أنهم يقولون: إن الظلْمَ أن يتَصَرَّفَ الإنسان في مِلْكِ غيرِهِ، واللَّه تعالى إذا تَصَرَّفَ في مُلكه فليسَ بظالمٍ على زَعمِهِمْ، وليس بظالمٍ أن يُعاقِب المطِيعَ الذي أمضى ليلَهُ ونَهارَه في طاعَةِ اللَّه فيُعاقِبُه عقوبَةِ الكافِرِ، وعلى هذا قال السفارِيني رَحِمَهُ اللَّهُ (١):

وَجَازَ للْمَوْلَى يُعَذِّبُ الْوَرَى ... مِنْ غَيْرِ مَا ظُلْمٍ وَلَا ذَنْبٍ جَرَى

فَكُلُّ مَا مِنْهُ تَعَالَى يَجْمُلُ ... لِأَنَّه عَنْ فِعْلِهِ لَا يُسْألُ

وهذا ليس بصحيحٍ، وهو إن جازَ عَقْلًا لكنَّهُ ممتَنِعٌ شَرْعًا، وقد تقدَّمَ تفصيلُ ذلك في أوَّلِ السورةِ.

المهم أن مُجَرَّدَ النَّفي لا يَدُلُّ على الكمالِ حتى يتَضَمَّن مَدْحًا، ولهذا قالوا في قول الشَّاعِرِ (٢):

قُبَيِّلَةٌ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ ... وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ

هذا ذَمٌّ وليس بمَدحٍ، فهم لعَجْزِهِمْ لا يظْلِمُونَ.


(١) البيتان (٦٥، ٦٦) من العقيدة السفارينية.
(٢) البيت للنجاشي أحد بني الحارث بن كعب، انظر الحماسة الشجرية (٤٥٢)، والشعر والشعراء لابن قتيبة (٣٣٠ - ٣٣١).

<<  <   >  >>