للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك قول الشاعر (١):

لَكِنَّ قَوْمِي وَإِنْ كانُوا ذَوِي حَسَبٍ ... لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ-فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا

يقول: ما هم مِنَ الشَّرِّ في شيءٍ ولا يأتونَ شرًّا أبدًا، بل أبلَغُ من هذا أنهم:

يُجْزُونَ بِالظُّلْمِ أَهْلَ الظُّلْمٍ مَغْفِرَةً ... وَمِنْ إِسَاءَةِ أَهْلِ السُّوءِ إِحْسَانًا

فإذا ظَلَمهُم أحدٌ قابَلُوه بالمغفرَةِ والسَّماحِ، وكذلك إذا أساءَ إليهم أحسْنُوا، هذا ظاهِرُهُ أنه مَدحٌ لكنه في الحقيقة ذَمٌّ من أبْلَغِ الذَّمِّ؛ لأنه يحتَقِرُهُم ويقول: إنهم لا يستطيعون أن ينْتَصِرُوا لأنفسهم، بل إذَا أسِيءَ إليهم قابلوا ذلك بالإحسانِ خَوفًا من إساءَةٍ أعْظَمَ وإذا ظُلِموا غَفَروا، ولهذا قال نفس الشاعر:

فَلَيْتَ لِي بِهِمْ قَوْمًا إِذَا رَكِبُوا ... شَنُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانً وَرُكْبَانًا

ونَفْي الصِّفاتِ من حيثُ العُمومِ قد يتَضَمَّنُ الكمالَ وقد يتَضَمَّنُ النقْصَ، وقد يكونَ لعدمِ القابِلِيَّةِ، فالذي للَّه من هذه الثلاثة الكمالُ، مثاله قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: ٣٨].

وقد يكون النَّفْي لعدمِ القابِلِيَّةِ، تقول: هذا الجدار لا يتَعْبُ، وهذا الجدار لا يظلِمُ؛ لعدم القابِلِيَّةِ، فهذا ليس بمدحٍ لأنه أصلًا لا يقبل هذا الوصف حتى يُنفى عنه.

وقد يكونُ النَّفْي للعَجْزِ مثاله ما سبَقَ في البَيْتَيْن.

ولا يكون للَّهِ من هذه الأقسامِ الثلاثة إلا القِسْمُ الأولُ، وهو ما تَضَمَّنَ كمَالًا


(١) قال في خزانة الآدب (٧/ ٤٤١): إن البيت لقريط بن أنيف العنبري.

<<  <   >  >>