للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَدْحًا، ولهذا يقولُ أهلُ العِلْمِ: إن اللَّه إذا نفى صِفة عن نفْسِه فإن المراد به أمران: نَفْي تلكَ الصِّفةِ، والثاني إثباتُ كمالِ ضِدِّهَا.

وصفاتُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تنقَسِمُ إلى قِسْمينَ: ثُبوتِيَّةٌ وسَلْبِيَّةٌ.

فالثُّبوتِيَّةُ: ما أثبْتَه اللَّهُ لنفْسه ولا تكونُ إلا صِفَةَ كمالٍ.

والسَّلبِيَّةُ: ما نَفَاهُ عن نفْسِه ولا تكون إلا صِفَةَ نَقْصٍ، وهي تدورُ على شيئين: أحدهما النَّقْصُ، والثاني مشابهةُ المخلُوقِينَ، أو نقول: إن مشابهة المخلوقينَ نقْصٌ، ونحصرُ هذين الشيئينِ في شيءٍ واحدٍ.

الفَائِدةُ التَّاسِعة: أن الإنسانَ هو الظالمُ لنَفْسهِ بفعْلِ المعَاصي؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ففعلُ المعَاصِي حَرامٌ؛ لأنه ظُلْمٌ لنفْسِكَ، أما اللَّه تعالى فلا يَظْلِمُ أحَدًا.

الفَائِدةُ الْعاشِرَة: أن العاصِي ظالمٌ لنفْسه لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ووجه ذلك: أن النفْس عندَك أمانَةٌ، فكما أنك ممنوعٌ مِنْ نَقْصها نقْصًا حِسِّيًا فأنت ممنوعٌ من نَقْصِها نَقْصًا مَعنَويًا، بمعنى أن الإنسان لو أرادَ أن يقْطَعَ يدَهُ أو أصابعه أو يُسِيء إلى بدَنِهِ كان ذلك محُرمًا، ولهذا من قَتلَ نفسه بشيء عُذِّب به في جهنَّمَ خالدًا مخَلَّدًا، فجعل النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قاتِلَ نفسِهِ (١) كقاتل الغيرِ في التَّخليدِ في النَّار والتَّعذِيبِ بما قتَل به نفْسَه، وعلى هذا نقول: كل من عَصَى اللَّه فإنه ظالمٌ لنْفِسِه، ومن هنا يتَبَيَّن لنا معنى قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في قاتل النفس، رقم (١٢٩٧) عن ثابت بن الضحاك؛ ومسلم: كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار، رقم (١٠٩).

<<  <   >  >>