للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه يعودُ إلى اللَّه جَلَّ وَعَلَا.

ومما أراد اللَّه به ملائكَتَه قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨]، الضميرُ في {قُرْآنَهُ}، يعودُ على الفاعِلِ وهو جِبريلُ، وأضافه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى نفْسِهِ لأن جبريلَ رَسُولُه، وكذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: ٧٤]، فإبراهيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يجادِلُ الرُّسُلَ ولم يجادِلِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

وكذلكَ قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: ٨٣ - ٨٥]، الضَّميرُ (نحن) يعودُ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فالمرادُ بالقُربِ هنا قُربُ الملائكَةِ، والدَّليلُ على إرادةِ الملائكِة قوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ}، فإن الملائكة تحْضُرُ إلى الميِّتِ لقبضِ رُوحِهِ وتجلِسُ منه مَدَّ البَصَرِ (١)، لكن لا نُبْصُرها نحن، فالقُربُ هنا قربُ الملائكةِ لوُجودِ الدَّليلِ؛ لأن حملَ ما أُضِيفَ إلى اللَّه بصيغَةِ العَظمةِ على رُسُلِهِ وملائِكَتِه لا بُدَّ له مِنْ دَليلٍ.

وأما ما أضافَهُ اللَّه إلى نَفْسِهِ بصيغةِ الإفرادِ فهو للَّه جَلَّ وَعَلَا، مثال ذلك قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٦]، هذه الضَّمائرُ كلُّها بصِيغَةِ الإفرادِ، فعلى هذا يكون قوله تعالى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} المرادُ قُربُ اللَّهِ نفسه من دَاعِيهِ، ولكن هذا القُرْبُ لا يلْزَمُ منه أن يخْلُوَ منه العَرشُ أو أن ينْتَفِي عنه العُلُوُّ، كما أنه يَنْزِلُ إلى السماءِ الدُّنَيا (٢)، ولا يلزم أن يَخْلُو منْه العَرشُ أو أن ينَافِيَ ذلك عُلُوُّه.


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٧، رقم ١٨٥٥٧).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل، رقم (٥٩٦٢)؛ ومسلم: كتاب المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، رقم (٧٥٨).

<<  <   >  >>