يعْنِي بمعنى المفعولِ من أجلِه، أي: خلَقَهُما للحَقِّ.
وتفسيرُ المُفَسِّر يُؤيِّدُه قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا}[ص: ٢٧]، ويؤيِّدُه أيضًا قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}[الدخان: ٣٨]، فإذا لم يَكُنْ لاعبًا تعالى اللَّه عَنْ ذلك عُلُوًّا كبيرًا -كان محقًّا.
قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} المشار إليه الخلْقُ، فيشمَلُ كلَّ ما تطَوَّرَ مِنْ خلقِ السمواتِ والأرض فإنه آية، فنَفْسُ السمواتِ والأرضِ خلْقُهما آية دالَّةٌ على اللَّه؛ لأن آيةَ الشيءِ ما كان دَالًّا عليه دونَ غيرِهِ، فالسمواتُ والأرضُ دالَّةٌ على اللَّه لأنه لا أحدَ يستَطِيعُ أن يخلُقَ مثلَ هذه السمواتِ والأرْضِ، فوجودُ السمواتِ والأرض دالٌّ على القُدرَةِ، وما فيها من الانتظامِ وعَدَمِ الاضطرابِ والتناقُض دالٌّ على الحِكمَةِ.
ولو تأَمَّلْتَ أشياءَ كثيرةً من حَوادثِ السمواتِ والأرض لوجدت كُلَّ واحدٍ منها يدُلُّ على القُدرةِ والعِلمِ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: ١٤]، وأيضًا يدُلُّ على الحِكْمَةِ، وأيضًا له دَلالَةٌ خاصَّةٌ على ما يَدُلُّ عليه بنْفسِه؛ وهذا شيءٌ لو تَأَمَّلهُ المؤمنُ ظَهَرَ له من ذلك آياتٌ كثيرةٌ!
قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَآيَةً} دَالَّةٌ على قُدرتِهِ تعالى]: وأيضًا دالَّةٌ على علْمِهِ وحكْمتِهِ ورَحمَتِه وقوَّتِه، فحوادِثُ السمواتِ والأرضِ، كلُّ شيءٍ منها يَدُلُّ على تلك الصِّفةِ الخاصَّةِ.
وقوله: [{لِلْمُؤْمِنِينَ} خُصُّوا بالذِّكْرِ لأنهم المنْتَفِعُونَ بها في الإيمانِ بخلافِ الكافِرِينَ]: وهذا صحيحٌ؛ فالآياتُ الكونِيَّةُ لا ينتَفِعُ بها إلا المؤمنُ، وأما الكافرُ فلا ينْتَفِعُ بها، يقول: هذه طبيعةٌ تُدَبِّرُ نَفْسها، وتنَتَقِمُ من الناس بنفسها، وتَجْلِبُ الخيرَ