للناس بنَفْسِهَا، وكذلك الآياتُ الشَّرعِيَّةُ، فالمؤمن ينْتَفِعُ بها، وغيرُ المؤمن لا ينْتَفِعُ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ١٢٤ - ١٢٥]، فالآيات الكوْنِيَّةُ والشَّرْعِيَّةُ لا ينتفع بها إلا المؤمن.
وانتِفَاعُ المؤمن بالآياتِ الشَّرعِيَّةِ والكونِيَّةِ يكون بزيادةِ إيمانِهِ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[التوبة: ١٢٤].
وزيادةُ الإيمانِ لا شكَّ أنه نفْعٌ عظيمٌ؛ لأن الإيمانَ إمَّا أن يَزيدَ وإما أن ينْقُصَ وإما أن يبْقَى بلا زيادَةٍ ولا نُقْصانٍ، وهذا قد يكون نادرًا، بل أنا أشكُّ في وُجودِ هذا القِسْمِ؛ لأن عدَمَ زيادةِ الإيمانِ يؤَدِّي إلى نَقْصِهِ؛ إذ إن الإيمان يزيدُ بالطَّاعَةِ فإذا فَقَدْتَ الطاعةَ حصلَ النَّقْصُ، لكن القِسْمَةَ العقلِيَّةَ أن يكونَ إما زائدًا وإما ناقِصًا وإما باقيًا على حالِهِ، وتَصَوُّرُ أو وقوعُ القسم الثالث اللَّهُ أعلمُ بِه.
والمرْجِئَةُ هم الذين قالوا: إن الإيمانَ لا يزيدُ ولا ينْقَصُ، وليس لهم دليلٌ، بل عندهم تَعليلٌ عَلِيلٌ قالوا: إن الإيمان هو إقرارُ القلبِ والإقرارُ لا يتفاوت، وكذلك المعتزِلَةُ والخوارِجُ يقولون: إن الإيمانَ لا يتبَعَّضُ، إما أن يُوجدَ كلُّه وإما أن يُعدَمَ كله.
لو قال قائل: هل يصِحُّ أن نقول: إن بقاء الإيمان على حالِهِ -أي عدم زيادته ونقصه- يدلُّ على صِحَّةِ قول من قال: إن مَن ترك ما ينْفَعُه لا بد أن يُبْتَلَى بما يضَرُّه؟
الجواب: وجه ذلك أن الإنسان لا بُدَّ أن يكون حارِثًا وهَمَّامًا، قال اللَّه:{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[الانشقاق: ٦]، فالإنسان لا بد أن يفعل شيئًا، ولا بُدَّ له من هِمَّةٍ وعَمَلٍ، فإذا كان هذا العملُ فيما لا ينْفَعُ لَزِمَ أن يكون فيما يَضُرُّ.