للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا ما دَلَّ الدَّلِيلُ على اخْتصِاصَه به، كقوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا}، لو انْتَهَتْ الآية هنا لجازَ للأُمَّةِ هذا الفعلَ، لكن قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: ٥٠]، فدَلَّ ذلك على أن الخطابَ الموَجَّه للرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- خِطابٌ لأُمَّتِهِ ما لم يَدُلَّ دليلٌ على اخْتصاصِهِ به.

واعلم أن الخطابَ الموَجَّهَ للرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثلاثةُ أقسامٍ:

القسمُ الأَوَّلُ: يدُلُّ الدَّلِيلُ بمُقْتضَى اللفْظِ الخاص أنه له ولغَيرِهِ، مثل قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: ١]، فقال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} ثمَّ قالَ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ}، ومثل قولِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]، ثم قالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢]، ومِثلُ قولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}، ثم قالَ: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ [الأحزاب: ٣٧].

القسمُ الثَّانِي: يخْتَصُّ بِهِ ولا يتَعَدَّاهُ إلى غيرِهِ عَمَلًا بمُقْتَضَى اللَّفْظِ، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ١ - ٤]؛ كلُّ هذا خاصٌّ بالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

القِسْمُ الثالِثُ: يكونُ خَاصًّا به بمُقْتَضَى الخِطابِ، لكن يَتَناولُ غيرَه بمُقْتَضى التأَثُّرِ بدَلِيلٍ منْفصلٍ؛ مثل هذه الآية، فالرَّسُول أُمرَ بالتلاوة وإقامَةِ الصلاةِ، والأُمَّةُ يجب عليها أن تَتْلُو ما أوْحَاهُ اللَّه إلى نَبِيِّهِ.

وقوله: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} (مَا) اسمٌ موصُولٌ يُفِيدُ العُمومَ.

وقوله: {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} الوَحْي في اللُّغَةِ: الإعلامُ بسرعة وخَفاءٍ؛ مثاله: رجلٌ بين قومٍ وتريدُ أن تُخْبِرَه وتُعْلِمَه بشيء، تريدُ أن تقول له: قُمْ نذهبُ إلى فلانٍ،

<<  <   >  >>