فأشرتَ إليه بيَدِك فَفِهم وقام معك، ولم يَفْهَمِ القومُ الذين معه، هذا هو الوحْي في اللغة.
وأما الوحْيُ في الشَّرعِ: فهو إعلامُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بالشَّرْعِ لأحدِ أنْبيائِهِ أو رُسُلهِ، والمراد هنا الوَحْيُ شَرْعًا، وله مراتب ذَكرها اللَّه تعالى في سورة الشُّورَى.
قوله:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ}(مِنْ) هنا بيَانِيَّةٌ، بيان لـ (مَا) في قولِهِ: {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ}.
وقوله:{الْكِتَابِ} المرادُ به القرآنُ، وسُمِّي كِتَابًا لأنه يُكْتَبُ في المصاحِفِ؛ ولأنه مكتوبٌ في اللَّوحِ المحْفُوظِ، ولأنه مكتوبٌ في أيْدِي الملائكة، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١١ - ١٦].
و(كِتابا) فعال بمعنى مفعول، وهو كثير في اللغة العربية، كفِراش بمعنى مفروش، وغِراس بمعنى مغروس، وبِناء بمعنى مبني.
قوله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} أي: ائتِ بها على وَجهِ الكمالِ؛ لأن إقامَةَ الشيءِ جعله قَويمًا ليس فيه اعْوجاجٌ ولا نَقْصٌ.
والخطاب في قوله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} للرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعلومٌ أنه يُقيمُ الصلاةَ وأنه أقْوَمُ المصلِّينَ صلاةً، فكيف وجَّه إليه الخطابُ بإقامَةِ الصَّلاةِ؟
الجواب: تَوجِيهُ الخِطابِ لمن يتَّصِفُ به، المرادُ به الاستمرارُ عليه لا تجْدِيدُه لأنه موجودٌ، مثل قولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}[النساء: ١٣٦]، فالخطابُ ليس عَبَثًا حتى نقولَ: إن هذا أمْرٌ بالإيمان؛ لأن الأمرَ بالإيمانِ