للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحصيلُ الحاصِلِ؛ لأنهم مؤمنون، فالخِطابُ المرادُ منه الاستمرارُ على الإيمانِ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} تقَدَّمَ أن تِلاوةَ القُرآنِ تشْمَلُ الاتِّباعَ والعملَ بأحكامِهِ؛ لأن إقامَةَ الصَّلاةِ من اتِّبَاعه والعَملِ بأحكامِهِ، إذن عَطَفهَا على قوله: {اتْلُ} من باب عَطْفُ الخاصِ على العام، وعَطفُ الخاص على العام هو إيذانٌ برِفْعةِ شأنِهِ، ولا شكَّ أن الصلاةَ من أفضلِ أعمالِ البدنِ؛ ولهذا خُصَّتْ بالذِّكْرِ.

وهل عطفُ الخاص على العام معناه ذِكْرُه مَرَّتَينِ أو مَعناهُ أنه أُفْرِدَ بالذِّكرِ من بينِ العُمومِ؟ في هذا رأيان لأهل العلم:

فمنهم من قال: إن ذِكْرَ الخاص بعد العام معناه أنه سُلِبَتْ دَلالَةُ العُموم بالنسبة إليه، ثم أُفْردَ بالذِّكْرِ.

ومنهم من قال: إنه داخلٌ في العُمومِ الأوَّلِ ثم أُفردَ بالذِّكْرِ فيكون ذُكِرَ مرَّتينِ، وكلا القولين يدلُّ على شرفِ هذا المذْكُورِ، لكن أقواهما الأخير، وهو أن يُذْكَرَ مرتين: مرة بذِكْرِ العُموم ومرة بالخُصوصِ، وتظهر الفَائِدةُ فيما لو قلت: أُكْرِمُ الطلبةَ ومحمدًا، فعلى القول بأنه داخلٌ في العمومِ ثم خُصَّ بالذِّكْرِ، نعرفُ أن مُحَمَّدًا من الطلبة، أما إذا قلنا: نُزِعَ من العمومِ ثم خُصَّ بالذِّكْرِ، نبحث عن محمد هل هو طالب أو ليس بطالب، ونحتاج إلى قَرينَةٍ تَدُلُّ على أنه مِنَ الطَّلَبَةِ، والصحيحُ ما تقَدَّمَ.

قال عَزَّ وَجَلَّ مُعَلِّلًا الأمرَ بإقامَةِ الصَّلاةِ: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، وهذا التعليلُ هل هو تَعْلِيلٌ بالنسبة للمخاطَبِ أو بالنِّسْبَةِ للمخاطَب بِهِ؟

إذا قلنا: إن التَّعْلِيلَ بالنسبَةِ للمُخاطَبِ وهو الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صارَ المعنى إن الصلاة تَنْهَاكَ عَنِ الفَحشاءِ والمنْكَرِ، وهذا يقْتَضِي جوازَ وُقوعِ الفَحشاءِ

<<  <   >  >>