للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمنكرِ مِنَ الرَّسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وإذا قلنا: إن التعليلَ بالنِّسْبَةِ للمُخاطَبِ به وهو الصلاة؛ قلنا: إن الصلاةَ من حيثُ هي صلاةٌ تنْهَى عن الفحشاءِ والمنْكَرِ، ويكونُ هذا وصفًا صادِقًا لغَيرِ الرَّسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا هو المتَعَيِّنُ، لعِلْمِنَا أن الرسولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- معصومٌ من الفَحْشاءِ والمنْكَرِ.

وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاة} وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} المرادُ بالصلاةِ في الموضِعَيْنِ صلاةُ الفَريضةِ والنافِلَةِ.

وقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} أي: تمْنَعُ، لكنَّ التَّعبير بالنَّهْي أبلغُ من التَّعْبِيرِ بالمنْعِ، فإنَّ المانِعَ قد لا يَكون مُحَذِّرًا، لكنْ في النَّهْي تَحْذِيرٌ، وهو أشَدُّ مِنَ المنْعِ لأنه يوجَدُ في القلبِ كراهَةٌ لهذا الشَّيءِ ونُفورٌ منه، ومجرَّدُ المنْعِ لا يقْتَضِي ذلك، فكأنَّ الصلاةَ فيها سِرٌّ يَقْتَضِي أن يبْعُدَ الإنسانُ عن الفَحشاءِ والمنْكَرِ، كأنها تُؤَنِّبُ ضمِيرَهُ: لماذا تَفْعَلُ هذا؟ فالصلاةُ تُوجِبُ المنع مِنَ المعاصِي.

وقوله: {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} الفحشاءُ: كُلُّ ما يُستَفْحَشُ مِنَ المعاصِي كالزِّنَا والسَّرقَةِ وشربِ الخمرِ وقتلِ النفس وما أشبه ذلك، والمنْكَرُ ما دونَ ذلك، وعَطْفُ المنْكَرِ على الفحشاءِ من عَطْفِ العامِ على الخاص؛ لأن كُلَّ فحشاء منْكر، وليس كل مُنْكَرٍ فَحشاء.

قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} شَرعًا، أي: مِنْ شأنِها ذلِكَ ما دَامَ المرءُ فِيها].

قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [مِنْ شَأْنِهَا ذَلكَ] صحيحٌ، لكن قوله: [مَا دَامَ المرءُ فِيهَا] ليس بصحيحٍ، بل هي تَنْهى عن الفحشاءِ والمنْكَرِ ما دَامَ المرءُ فيها وما لم يدُمْ فيها، يعني

<<  <   >  >>