للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس نَفْعِها خاصًّا؛ لأن المصَلِّي حالَ كونِهِ يُصَلِّي لن يفعلَ الفَحشاءُ والمنْكَرُ، لكن الفَائِدةَ العَظيمَةَ أنها تؤَثِّرُ في قلْبِكَ تأثِيرًا يقْتَضِي إبعادُكَ عَنِ الفَحشاءِ والمنكرِ، وهذه هي الثَّمَرةُ والنتيجةُ، فتَقْيِيدُ المُفَسِّر ليسَ بصوابٍ، بل هي مُطْلقَة تنْهَى عن الفحشاءِ والمنْكرِ داخلَ الصلاةِ وخارَجَها.

ووجه ذلك: أن الإنسانَ يُنَاجِي ربَّه كما وَرَدَ في الحديثِ، فبَيْنَه وبينَ ربِّه صلِةٌ، هذه الصلِةُ تُكْسِبُ القلبَ إِيمَانًا ونُورًا، ولهذا قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصَّلَاةُ نُورٌ" (١)، ومعلومٌ أن القَلبَ إذا اكتَسَب نُورًا لا يَمِيلُ إلى الفحشاءِ والمنكرِ؛ لأنه كُلَّمَا هَمَّ أن يفعلَ معصِيَةً تَذَكَّرَ أنه قبلَ ساعات كان واقفًا بين يدَي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فيخْجَلُ ويبْتَعِدُ.

وهذا أمرٌ مشَاهَدٌ، فالإنسانُ أحيانًا يَذْكُر وُقوفَهُ في صلاةٍ منذ عِشرين سنة أو أكثر، صلَّى صلاةً في غايَةِ الإحسانِ كما جاء في الحديث: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ تَرَاهُ" (٢)، فصلى كأنه يَرَى ربَّهُ، فإنه يَجِدُ طَعْمَ هذه الصلاةِ ولو بعدَ حينٍ طويل فيَذْكُرُها ولا تَغِيبُ عن قَلْبِهِ، هذه الذِّكْرَى لا بد أن تُؤَثِّرَ في نَهي الإنسانِ عنِ الفحشاءِ والمنْكَرِ، وهذا وجه قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.

لكن مُرادَه بقولِه: {إِنَّ الصَّلَاةَ} أي: الصلاةُ المقَامَةُ، فليس كلُّ صلاةٍ تَنْهَى عنِ الفَحشاءِ والمنْكَرِ، واللَّهِ لو كانتْ صلاتُنَا تَنْهانا عَنِ الفَحشاءِ والمنكرِ لكُنَّا سالمِينَ، لكن نسألُ اللَّه أن يُعامِلَنَا بعَفْوِهِ، يدخُل الإنسانُ في الصلاةِ بقلبٍ ويخرُجُ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، رقم (٢٢٣).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإيمان الإسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم (٥٠) عن أبي هريرة؛ ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، رقم (٨) عن ابن عمر.

<<  <   >  >>