للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: {الصَّالِحَاتِ}: يَعنِي: الأعمالَ الصالحاتِ، فهِي صِفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، تَقدِيرُهُ: الأعمالُ الصَّالحاتُ، والعملَ الصالحُ هو الَّذي جمعَ الإخْلاصَ والمتابَعَةَ؛ فالإخلاصُ يعْني: أن تَقْصدَ بعملِكَ وجْهَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والدارَ الآخِرَةَ، والمتابعةُ: أن تكونَ في ذلِك مُتَّبعًا للنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وضِدُّ الأوَّلِ الإشراكُ، وضِدُّ الثانِي البِدعَةُ، فلا تكونُ مُشْركًا ولا مُبتَدِعًا.

قولُهُ: {لَنُكَفِّرَنَ}: الجُملةُ جوابٌ لقَسَمٍ مُقَدَّرٍ، تقدِيرُهُ: واللَّهِ لنُكفِّرنَّ، فهي إذْنَ مؤكَّدَةٌ بثلاثةِ مؤكِّدَاتٍ: القَسمِ، واللَّامِ، والنُّون.

وقولُهُ: {لَنُكَفِّرَنَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}: التَّكفِيرُ بمَعْنى السَّتْر، ومنه الكُفُرَّى: وهي القِشْرةُ التي تَستُرُ طَلْعَ النَّخلةِ، فمَعْنى: {لَنُكَفِّرَنَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي: نَسْتُرهَا، والمراد بالسَّتْر لازِمُهُ، وهو العَفْو.

بماذا نُكَفِّرُ عنْهُمْ سيِّئاتِهِمْ؟

الجواب: بإيمانِهِمْ وعَملِهِمُ الصَّالحِ؛ لأن الإيمانَ يهدِمُ ما قَبلَهُ، والعَمَلُ يقولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: ٣١]، فالتَّكْفيرُ مأخوذٌ مِنَ التَّغْطِيَةِ، وتغْطِيةُ السَّيئاتِ معنَاهَا: إزَالتُهَا وعَدَمُ المؤاخذَةِ عليها.

وقوله: [{لَنُكَفِّرَنَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} بِعَمَلِ الصَّالحَاتِ]: فأعْمالهُمْ الصَّالحةُ تكون مكفِّرةً للسيِّئاتِ، قال النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "الصَّلَواتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَينهنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" (١)، وقالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-:


(١) أخرجه مسلم: كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، رقم (٢٣٣).

<<  <   >  >>