للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كفَّارَةٌ لمَا بَينَهُمَا" (١)، فالأعمالُ الصَّالحةُ تكونُ بمنزلَةِ الغُلافِ على الأعمالِ السَّيِّئةِ، حتى لا يَظهَرَ لها أثَرٌ.

وقوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}: الجزاءُ بمَعنَى المكافَأةِ عَلَى الشيءِ، وقولُه: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} هذه الجُملةُ أيضًا مؤكَّدَةٌ بثلاثَةِ مُؤكِّدَاتٍ، وهي: القَسمُ، واللَّامُ، والنُّونُ.

وقولُهُ: [{أَحْسَنَ} بمعنى حَسَن]، وكأَنَّه فَرَّ من إشكالٍ قَدْ يُورَدُ، وهو: أن الآيةَ تَدُلُّ على أنهم يُجْزَونَ أحسنَ الذي كانوا يعْملونَ، فأينَ جَزاءُ الحَسَنِ؟ لأن العَملَ الصالحَ حسَنٌ وأحسَنْ، فإذا كَانتِ الآيَةُ: {أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} فمعنى ذلك أن الحَسَنَ لا يُجَازَون عليه، فلهذا أوَّلَ المُفَسِّر {أَحْسَنَ} بمعنى: حَسَن، أي: حسَنُ ما كانوا يعمَلُونَ.

ولكن نَحْنُ نَرى أنه لا حاجَةَ إلى التَّأْويلِ، وأن ما دَلَّتْ عليه الآيَةُ أَوْلى مما قدَّرهُ المُفَسِّر، وهو أنَّ اللَّه يقولُ: لنَجْزِينَّهم أحسنَ جزاءٍ، وأحسنُ جزاءٍ بيَّنَهُ اللَّه تعالى في قَولِهِ: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠]، وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦١]، فهذا الجزَاءُ أحسنُ جزاءٍ؛ لأن الجزاءَ غايتُهُ أن يكونَ مِثْلما فَعَل الفاعِلُ، لكن هنا يجازَى بأحسنَ وأعْظمَ، وعلى هذا فيكونُ (أحسنَ) ليس مَنْصوبًا كما قال المُفَسِّر: [بِنَزْعِ الخَافِضِ البَاءِ]، بل هو مفعولٌ ثانٍ لقوله: (نَجْزِي)، والمفعولُ الأوَّلُ هو الهاء. والنون في قولِهِ: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} للتَّوكيدِ،


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب وجوب العمرة وفضلها، رقم (١٦٨٣)؛ ومسلم: كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، رقم (١٣٤٩).

<<  <   >  >>