وأهل السُّنَّةِ يقولون: إنه كلامُ اللَّه حقيقةً لا حكايَةً ولا عبارةً، وكل من الأشَاعِرَةِ والكُلَّابِيَّةِ جعل الكلام هو المعنى القائمُ بنَفسه.
والغَريبُ أنهم يقولون أيضًا: إنه قَدِيمٌ، يعْنِي: لا يتَجَدَّدُ وأنه بمعنى واحدٍ وأنَّ (قُلْ) مثل (لْ)، وأن الخبرَ مثلُ الأمرِ، وأن التوراةَ والإنجيلَ والقرآنَ وسائرُ ما يتكلَّمُ اللَّه به شيءٌ واحِدٌ.
وكل هذا تَصَوُّرُه كافٍ في رَدِّهِ، وهو في الحقيقةِ إنكارٌ لكَلامِ اللَّهِ، ولهذا قال بعضُ المحقِّقِينَ منهم: في الحقيقةِ أنه لا فرق بينَنَا وبين المعْتَزَلة والجهْمِيَّةَ، فإننا جميعًا متفقون على أن في دَفَّتَي المصحْفِ مخلوقٌ لكن هم أكثرُ شجاعَة مِنَّا.
المعتزلة اكثر شجَاعَةً من الأشْعَرِيَّةِ؛ لأنهم يقولون: القرآنُ مخلوقٌ لفْظًا ومعنى، والأشعرية يقولونَ: مَخْلوقًا لفْظًا لا معنى.
وقوله:{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ}(ال) في قولِهِ: {الْكِتَابَ} للعَهْدِ الذَّهْنِيِّ، والكتاب المراد به القرآنُ.
قوله:{فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}(الفاء) هنا للتَّفْرِيعِ، أي: تَفَرَّع عن إنزالِ الكتابِ على الرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن انْقَسَم الناسُ فيه إلى قِسْمَيْنِ: قِسمٌ آتاهُمُ الكتابُ فآمَنُوا به، وقِسْم آخرُ لم يُؤْمِنُوا به.
وقولُه: [{فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} التَّوَرَاةُ كعَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ وغَيرِهِ]: لكن هذا التفسيرُ فيه شيءٌ من الإشكالِ؛ لأن قوله:{يُؤْمِنُونَ بِهِ} يَدُلُّ على أن جميعَ الذين أُوتُوا الكتابَ يؤمنون به مع أن أكْثَرهُم في عهدِ الرَّسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما آمَنَ به، فالمرادُ إذن بقوله تعالى:{فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} أي: إيتاءً كَوْنِيًّا وشَرْعِيًّا، بمعنى: