للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن اللَّه آتاهُمُ الكتابَ وعَمِلُوا به، فهؤلاءِ هُمُ الَّذين أُوتُوا الكتابَ على وَجْهِ الكَمالِ والإطلاقِ فآمَنُوا بالقُرآنِ، مثلُ عبدِ اللَّه بن سَلام من اليهودِ، والنَّجَاشِي مِنَ النصارى، وسلمانُ الفَارِسِيُّ لم يؤتَ الكتابَ لكنَّه آمن بالقرآنِ؛ لأنه تلَّقَى العِلمَ عن أهلِ الكِتابِ.

فهؤلاء ثلاثةُ أصنافٍ: اليهودُ، والنصارَى، ومن تَلَقَّى العِلمَ عنهم؛ كلهم فتَحَ اللَّه عليهم، فآمنوا بهذا القُرآنِ.

ولا يقالُ: إن قوله: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} عامٌّ؛ لأن الإيمانَ عند الإطلاقِ يشْمَلُ الإيمانَ الحَقِيقِيَّ وليس مجرد التَّصْدِيق، وهم أيضًا لم يُصَدِّقُوا، بل غالِبُهم أنكرَ وكذَّب، ولهذا مَثَّل المُفَسِّر بالذين أسْلَمُوا كعبدِ اللَّهِ بن سَلامٍ.

وقوله: {آتَيْنَاهُمُ} بمعنى أعْطيناهُم، وقد تأتي بمعنى جِئناهُم، والفَرْقُ بينهما أن {آتَيْنَاهُمُ} مِنَ الرُّباعِي بمعنى أعْطَيناهم، ومن الثُّلاثِي بمعنى جِئنَاهم.

وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِهِ} الجملة خبرٌ لمبتدأ، والمبتدأُ قوله: {فَالَّذِينَ}.

وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: بالقرآنِ فيُصَدِّقُونه، فأهلُ العِلْمِ منهم الراسخونَ فيه الذين يُرِيدُون الحقَّ، آمنوا بالقرآنِ واتَّبَعُوه ورَأَوْا أنه حَقٌّ.

لو قالَ قائلٌ: إن المعْنَى {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: يَعْرِفُونَ أنه حق ولكن لا يؤمنون به فهل هذا المعنى صحيح؟

الجواب: هذا خلافُ ظاهرُ الآية، وإن كان المعنى من حيثُ هو يُحْتَمَلُ، والإيمان عندَ الإطلاقِ المرادُ به التَّصديقُ المستَلْزِمُ للقَبولِ والإذعانِ، ولهذا قال في آية أُخْرَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}، هذا يَشْمَلُ الجميعَ،

<<  <   >  >>