للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يَكْفُرْ؛ لأن العلمَ بما يُوجِبُ الكُفْرَ شرطٌ، كذلك انتفاءُ المانع شَرْطٌ، فإن وجد مانِع يَمْنَعُ من التَّكفيرِ لم يَكْفُرْ.

والموانع كثيرة، منها الإكراهُ، لو أُكْرِهَ رجل على الكُفر وقَلْبه مطمَئِنٌ بالإيمان لم يَكْفُر بنَصِّ القرآن وإجماعِ المسلمينَ.

ومن الموانع ألا يحولَ بين إرَادَتِهِ حائلٌ، بمعنى ألا يكون هناك حائلٌ يمْنَعُهُ من الإرادةِ والقَصْدِ، فيكون خرجَ منه الكُفْرُ بغيرِ قَصْدٍ، فإذا خرج منه الكفرُ بغير قَصْدٍ لم يكْفُر ولو كانَ كُفرًا صريحًا كالشَّمْسِ، مثل أن يكون غاضبًا غَضَبًا شَدِيدًا، أو فَرِحًا فَرَحًا شديدًا، أو خائفًا خَوْفًا شَدِيدًا، فيُطْلَقُ الكُفْر من غيرِ إرادَةٍ؛ فهذا لا شكَّ أنه لا يَكْفُرُ.

وقد قالَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في فَرَحِ اللَّه بتوبَةِ عبدِهِ المؤمن أنه: كرجلٍ أضلَّ بَعِيرُه وعليه طعَامُه وشرَابُه فلم يَجِدْهُ، فنامَ تحتَ شَجَرةٍ ينْتَظِرُ الموتَ، ثم استيقظَ وإذا بخِطَام ناقَتِه متَعَلِّقٌ بالشَّجرةِ، فأخَذَ الخِطَامَ وقال من شِدَّةِ الفرح: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ (١)، ولا شكَّ أن هذه الكلمةَ كُفْرٌ، بل لو قال: أنت عَبْدِي فقط، وقد قال: (أنتَ عَبدي وأَنَا ربُّكَ) فادَّعَى لنفسه الربوبيةَ ولرَبِّهِ العُبودية، لكن قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَخْطَأَ مِنْ شَدَّةِ الْفَرَحِ".


(١) أخرجه مسلم: كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، رقم (٢٧٤٧) عن أنس بلفظ: "للَّه أَشَدُّ فَرَحًا بتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَّجَعَ في ظِلِّهَا قَدْ أَيسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ هُوَ بهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بخِطَامِهَا ثُمَّ قالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَح: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ"، وأصله عَند البخاري: كتاب الدعوات، باب التوبة، رقم (٥٩٤٩) عن ابن مسعود.

<<  <   >  >>