لو قال قائل: هل يتَرَتَّبُ على الخلافِ في كونِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كاتِبًا أو غَيْرَ كاتبٍ أثَر؟ الجواب: لا يَتَرَتَّبُ عليه أثَرٌ بالِغٌ؛ لأنه بعدَ ثبوتِ نبوَّتِهِ لا يَضُرُّهُ أن يكون قد قَرَأَ وكتبَ، لكنَّ المحْذُورَ الشَّدِيدَ الذي يتَرَتَّبُ على هذا أنه لو ثبَتَ أنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كان قَارِئًا أو كاتبًا قبلَ النُّبُوَّةِ، لكان حجَّةً للمُبْطِلِينَ، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}؛ لكن ما دام ثبتَ أنه كانَ قبلَ النُّبُوُّة لا يقرأ ولا يكتب فإنه بمجرَّدِ الوَحْي صارَ نَبِيًّا فيزولُ المحْذُورُ، واحتِجَاجُهُمُ الثاني يزولُ حتى لو تعَلَّم الكتابة، لكن الكلامَ على أن هذا ثَبَتَ أوْ لَا.
لو قالَ قائلٌ: هل نأْخُذُ مما سَبقَ استِحْبابُ عدمِ تعَلُّمِ القِراءةِ والكِتابَةِ، كما أخذ هذا بعضُهم من هذه الآية؟ !
الجواب: هذا جَهْلٌ إلا إن كان القائل بهذا يريدُ أن يكونَ نَبِيًّا، نقول: لا تقرأ ولا تَكْتُبْ، فالقائلُ بهذا جاهلٌ جهلًا مُرَكَّبًا، بل إنه أجْهلُ من الحمارِ إن كان يركبُ الحَمِيرَ، وإلا فكيف يُحْفَظُ الدِّينُ، فلو عاد الدِّينُ إلى صُدُورِنَا لذَهَبَ وما بَقِي، واللَّه تعالى يقول:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[البقرة: ١٢٩]، ويقول: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ٤ - ٥]، والآية في مقامِ الامْتِنَانِ، والرَّسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَرَ زيدَ بن ثابتٍ بتَعَلُّمِ لُغَةِ اليهودِ، بل حينما هاجَرَ إلى المدينة أمَرَ بتَعَلُّمِ الكتابَةِ.
الفَائِدةُ الثَّانِية: أن كلَّ مُبطِلٍ فإن اللَّه تعالى أبْطَلَ شُبْهَتَهُ -ولا نقول: حُجَّتَهُ-، فالإسلامُ مبْطِلٌ لجميعِ شُبَهِ المبْطِلِينَ، لقوله تعالى:{إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}.
الفَائِدةُ الثَّالِثةُ: ينْبَغِي في المناظَرَةِ التَّنَزُّلُ مع الخصْمِ وإبطالُ ما يحتَجُّ به، وليس بلازمٍ أن نقول: إنَّكُمْ كاذِبُونَ في إبطالِكُمْ لنبوَّةِ الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولكن مع ذلك بيَّنَ اللَّهُ هذه الآية الواضِحَةَ المحْسُوسَةَ أنه لو كان يَقْرَأُ ويكْتُبُ لكان في ذلك