تقول: الرَّجلُ عِنْدَك؛ التقدير: الرَّجُلُ كائنٌ أو مستَقِرٌّ عنْدك، فالخبرُ جملة اسمية، ويجوز: الرجلُ استَقَرَّ عندك، على أن يكون الخبرُ جملةً فِعْلِيَّةً، لكن هذا خلافُ الأصل؛ لأن الأصلَ في الخبر أنه مُفرد، أما صِلَةُ الموصول فنقدرها جملَةً فِعْلِيِّةً، فلو قلت: جاء الذي عندك، التَّقْدِيرُ: مستقرٌّ عِنْدَكَ؛ لَزِمَ أن تقدر مبتدأ مرة ثانية، ويكون التقدير: جاء الَّذِي هو مُسْتَقِرٌّ عندَكَ.
وقوله:{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إذا كان للعمومِ فهو يَشْمَلُ أفعالَ الإنسانِ وأقوالَهُ وسِرَّهُ وعَلانِيَتَهُ، وفيه ردٌّ ظاهِر على غُلاةِ القَدَرِّيةِ الذين كانوا قديمًا يَنْفُونَ العِلم والعياذ باللَّه، ويقولون: إن الأمْرَ أُنفُ، يعني مستأنفٌ، وهم كفَّارٌ لأنهم مَكَذِّبُونَ للقُرآنِ.
ودائمًا يجمَعُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {السَّمَاوَاتِ} ويُفْرِدُ {وَالْأَرْضِ}، وكلها في العَدَدِ سواءُ كما ثَبتَ في السُّنَّة، وكما هو ظاهِرُ القرآنِ في قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق: ١٢]، فتكون الأرضُ مفردَةً لكن معنَاهُ الجمعُ، فـ (ال) هنا لاستِغْرَاقِ الجِنْسِ، يعْنِي: كل ما يُسَمَّى أرْضًا، فيَشْمَلُ السبعَ الأرَضِين.
وقوله: [{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ومنْهُ حَالي وحالُكُم]: ونص المُفَسِّر على ذلك لأن المقامَ يَقْتَضِيهِ، حيثُ قالَ:{كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا}.
ثم قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستأنفًا الكِلامَ:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا}، (الذين): مبتدأٌ خَبَرُه جملَةُ {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، وهذا من الحُكْمِ بينَه وبينهم.