وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا} الظاهِرُ أنها من كلامِ اللَّه، وأنها جملةٌ مستَأْنَفَةٌ وليست من كَلامِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قوله: [{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} وهُو مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ]: آمنوا به يعني: اعترَفُوا به وأقَرُّوا به ورَأَوا أنه حَقٌّ، هؤلاء هم الخاسرون.
والباطِلُ: كلُّ ما عُبِدَ من دُونِ اللَّهِ في هذا المقام، وإلا فَفِي غَير يقال: كلُّ ما خالَفَ الحَقَّ فهو باطِلٌ، حتى الشيء الذي لا خيرَ فيه يُسَمَّى بَاطِلًا وإن لم يَضُرَّ، كما قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلَّا كَذَا وَكَذَا"(١)، فالباطل يُفسَّرُ في كل مكان بَحَسَبِهِ.
وهذه القاعدةُ شامِلَةٌ لجميعِ الكلماتِ، تجِدُ الكلمة الواحدةَ في سِياقٍ لها معنى وفي سياقٍ آخرَ لها معنى آخر بحَسَبِ السِّياقِ، وهذا هو الذي يُطَمْئِنُ الإنسانَ إلى صحَّةِ القولِ بأنه لا مجازَ في اللُّغةِ العربيةِ، حيث إننا قلنا: إن الذي يُحَدِّدُ مَعْنى الكلمة هو سِياقُهَا ومكانها في هذا السِّياقِ، باعتبار حالِ المتكَلِّمِ بها وحالِ الموضوعِ الذي هو مَسُوقَةٌ له، فالباطِلُ هنا هو الأصنام، قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[الحج: ٦٢].
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: [{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} مِنْكُمْ]، وقوله:{وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} أَيْ: أنْكَرُوا ما يجِبُ له مِنْ حَقٍّ، وذلك لأن الكُفر في اللُّغَةِ العربِيَّةِ
(١) أخرجه الترمذي: كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل اللَّه، رقم (١٦٣٧) عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين؛ وابن ماجه: كتاب الجهاد، باب الرمي في سبيل اللَّه، رقم (٢٨١١) عن عقبة بن عامر الجهني، ولفظ الترمذي: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق".