مثالُهُ: إذا كانَ الإنسانُ يحْسِنُ إلى والِدَيهِ بالمالِ ولا يجعَلْ لهما حاجَةً أبدًا، وقد أَغْرَقهُما بالمالِ إغراقًا، لكنَّه مُجْنِفٌ عنهما من قِبَلِ الكَلامِ، شَكسٌ عليهما، عبوسٌ في وجْههما؛ فإن هذا ليس بِبارٍّ لوالِدَيهِ، كذلك لو كان ضَحُوكًا إليهما، وليِّنًا معهما بالقولِ، مُغدقًا لهما بالمال، لكن لا يخْدُمُهُما بنَفسِهِ إذا دعَتِ الحاجَةُ إلى ذلك؛ فإنه ليس بِبَارٍّ، فالبِرُّ لا بد أن يكونَ بالقَولِ والفِعْلِ والمالِ.
قوله:{وَإن جَاهَدَاكَ} أي: بَذَلا جُهْدهما، والجهادُ هُنا مَعْناه: الإلزامُ والإرْغامُ والإحْراجُ، فجَاهَداكَ على أن تُشْرِكَ بِي، بأنْ أمرَاك بالشركِ وبَذَلا الجَهْدَ في ذلك، بالإلزامِ عليك والإحْراجِ، تارةً بمدحِ الشِّركِ، وتارة بذَمِّ التَّوحيد، وتارةً بالإلزامِ والإرْغامِ، وتارة بالتَّوَعُّدِ بالقَطِيعة؛ فإذا جاهداك على هذا، يقول اللَّه تعالى:{فَلَا تُطِعْهُمَا}؛ لأن حقَّ الخالِق مُقدَّمٌ على حقِّ المخلوقِ، والإشراكُ باللَّه ظُلم حقِّ الخالق، ما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣]، فلا يجوزُ أن تُفَرِّطَ في حقِّ اللَّهِ مِن أجلِ حقِّ هؤلاءِ.