نَنظُرُ إلى الآية، يقولُ اللَّه تعالى:{لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، فهلْ يقولُ قائلٌ: فإنْ جاهدَاكَ على أن تُشرِكَ بي ما لَكَ به عِلْمٌ فأطِعْهُما؟
الجواب: لو أخَذْنَا بظاهِرِ الآية لقُلنَا: إنها تَدُلُّ على أن الإشراكَ باللَّه ينقسمُ إلى قِسمين: إشراكٌ ليس بِه عِلمٌ، وإشراك به عِلْمٌ، فالإشراكُ الذي بِهِ عِلمٌ يجوزُ، والإشراكُ الذي ليسَ به عِلْم لا يجوزُ، قلنا: لَيسَ الأمرَ كذَلِكَ، ولكنَّ هذا بيانٌ للواقِعِ أن كُلَّ شركٍ باللَّه فإنه لا عِلْمَ به عندَ الإنسان، قال اللَّه تعالى:{وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}[الأعراف: ٣٣]، ومَعلومٌ أنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما جَعل شِركًا فيه سُلطانٌ، فكُلُّ الشركِ ليس فيه سُلطانٌ، بل إن الشِّرْكَ قد قامَ السلطانُ والعِلْمُ الصحيحُ على أنه باطل، فصَارَ قوله:{لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} معناه: أنه موافِقٌ للواقِعِ، فيكونُ كالتَّعْليلِ لتَحْريمِ الشِّركِ، كأنه يقول: على أن تُشركَ بي والحالُ أن الشركَ ليس لك به عِلْم، فإن الشِّركَ قطعًا لا يمكن أن يقومَ الدَّلِيلُ على وجوبٍ، بل إن الدَّلِيلَ الصحيحَ على انتِفَائِهِ، فإن اللَّه تعالى لا شريكَ لَهُ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَلَا تُطِعْهُمَا} فِي الإِشْرَاكِ]: يعْني لو قال الوالدُ والوالدِةُ مثلًا: إذا لم تُشْركْ فإننا نُقاطِعْكَ ولا نُكَلِّمْك ولا نَأتي إلى بيتِكِ، فلا تُطِعْهما مهما كان الأَمْرُ؛ لأن هذا هو مَعنى:{وَإن جَاهَدَاكَ}.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} معنَاهُ: ولا تَظُنُّ أنك بمَعْصِيَتِكَ لهما يلْحَقُكَ إثمٌ، فإن مَرْجِعَكما إليَّ يومِ القيامَةِ فأنبِّئُكم بما كنتم تَعمَلونَ، والمرادُ بالإنْباءِ هُنا لازِمُه، وهو المعاقَبَةُ والمؤاخَذَةُ، فأنتَ بقيتَ على التَّوحيدِ