للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما فَسَدَتْ أحوالُ العالم الإسلامي وغير الإسلامي إلا بالحُكْمِ بغيرِ ما أنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ولو كانتِ الأُمَّةُ الإسلامية صادِقَةً في إرادَةِ العِزَّةِ والكرامَةِ والسعادَةِ والفَلاحِ، لرَجَعَتْ إلى الحكمِ بكِتابِ اللَّه؛ لأن الحكمَ بالقوانِينِ الوَضْعِيَّةِ المخالِفَة للشريعةِ لا شكَّ أنه خَسَارةٌ بنَصِّ القرآنِ؛ لأنها باطِلٌ، وما أنزل به القرآن فَهُو الحقُّ، فيكون عليهم مِنَ الخسْرانِ بقدرِ ما خالَفُوا من الحقِّ.

الفَائِدةُ الثَّامِنةُ: أن من حَقَّقَ الإيمانَ باللَّهِ والكُفْر بالباطلِ فهو الرَّابِحُ، ويَدُلُّ على ذلك قَولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ١ - ٣].

هل نأخُذُ من هذه الآيةِ أنَّ مَنْ آمَنَ بالباطِلِ فهو كافر باللَّه؟

الجواب: ظاهِرُ الآية أنهم لا يَكْفُرونَ؛ لأنها جمعَتْ أمْرينِ، والعَطْفُ يقْتَضِي المغايَرَةَ، ويمكنُ أن يُقالَ: إن قولَهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} لبيانِ حالهِمْ، وأنه يَلْزَمُ مِنَ الإيمانِ بالباطلِ الكُفرُ باللَّهِ؛ لأننا نقول: هب أنهم آمَنُوا بالباطلِ وآمنُوا باللَّه، هل يكونُ إيمانُهُم صَادِقًا؟

الجواب: لا؛ لأنَّ مَنْ آمَنَ باللَّه رَبًّا ثم ذَهَبَ يعْبُدُ صَنَمًا، هذا ليس بمؤمنٍ باللَّهِ، فإيمانهم بالباطِلِ يلْزَمُ منه كُفْرُهم باللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

لو قالَ قائلٌ: هل التَّحاكُمُ للمحاكِمِ غيرِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الإيمانِ بالباطلِ، وهل هُو كُفْرٌ؟

فالجواب: من اعتَقَدَ في القَوانِينِ الوَضْعِيَّةِ المخالفةِ للشَّريعَةِ أنها حَقٌّ، فإننا نَحْكُمُ بكُفْرِهِ؛ لأنه إذا أثْبَتَ الحقَّ في أحدِ المتَضَادَّيْنِ لَزِمَ أن يْنَتفَي الحَقُّ عن الضِّدِّ الآخَر.

<<  <   >  >>