للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى} الأجَلُ: هو غايَةُ الشيءِ يعني: لَولا الغَايةُ التي حَدَّدَها اللَّهُ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {مُسَمًّى} أي: مُعَيَّنٌ أو محدَّدٌ بنظامٍ وانتظامٍ لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ، فأفعالُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تابِعَةٌ لحِكْمَتِهِ؛ لأن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ شيءٍ عندَهُ بمقدارٍ، حتى القَطْرَةُ التي تنْزِلُ مِنَ السماءِ لا تَنْزِلُ إلا بمقدارٍ في وَزْنِها وحَجْمِهَا وزَمَنِها ومكانِهَا، ولهذا قال: {مُسَمًّى}، ويَدُلُّ لهذا قوُله عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: ٨ - ٩]، لا يَخْفَى عليه شيءٌ ولا يَشِذُّ عن تَقْدِيرِهِ شيءٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد: ٤١].

وقوله: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} استَعْجَلُوا العذابَ ولكن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَحْلُمُ ويحْكُم ويُحْكِم فهو حَلِيمٌ حَكِيمٌ، فلولا أجلٌ مُسَمًّى لجاءهُمُ العذابُ عاجلًا، ولكن سيُنْزِلُهُ اللَّه عنْدِمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ.

ولو كان عَزَّ وَجَلَّ كُلَّمَا طلَبَ هؤلاءِ من آيَةٍ أعْطاهُم وكُلَّما استَعْجَلُوا بالعَذَابِ عاجَلَهُمْ؛ لفَسدتِ الأرضُ، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: ٧١]، ولكن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حكيمٌ يُقَدِّرُ الأشياءَ حسبَ ما تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ، وهذه الحكمة لغايَةٍ قد نَعْلَمُهَا ولو مُسْتَقْبلًا، وقد لا نَعْلَمُهَا لأن عِلْمنَا مَحْدُودٌ، قال اللَّه تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥].

ثم قالَ مُتَوَعِّدًا لهم: [{وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بِوَقْتٍ إتْيانِهِ]: وقوله: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} هذه الجملَةُ مؤَكَّدَةٌ بثلاثِ مؤكِّدَاتٍ: القَسَمِ المقَدَّرِ، واللامِ، ونونِ التَّوْكِيدِ.

<<  <   >  >>