البغْتَةُ: كل ما باغَتَ الإنسانَ، أي: أتاهُ من غَيْرِ تَوَقُّعٍ لَهُ.
وقوله:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} جملة مُؤكِّدَةٌ لقوله: {بَغْتَةً} لأن المبَاغِتَ للإنسانِ يَأْتِيهِ بدُونِ شُروطٍ، وقيلَ إنها جملة مُسْتَقِلَّةٌ بمعناها، وإن قوله:{وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} هذه صِفَةُ وُقوعِ العَذابِ، ففيه تهديدٌ وتَحْذِيرٌ، أي: فاحْذَرُوا أن يأْتِيكُمْ، وأن قوله:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي: أنه لا يأْتِيهِمُ الآن؛ لأنهم إذا أتاهُمُ العذابُ حين طَلَبهُمْ يكونُ قَدْ أتاهُمْ وهم متَوَقِّعُون له شَاعِرُونَ به فيكون أخفَّ وَقْعًا، ولكنه سيَأْتِيهِمْ في غيرِ وقْتِ طَلَبِهِمْ، والحال أنهم لا يشْعُرونَ.
وعلى القولِ الأَوَّلِ أنها توكيدٌ لقولِهِ:{وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} فيكونُ هذا مُفسَّرًا بقوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: ٩٧ - ٩٨]، فالإنسانُ النائمُ ليس مُسَتَعِدًّا للعَذابِ، بل هو آمِنٌ غايَة الأمْنِ، قال تعالى:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ}[الأنفال: ١١]، وكذلك الإنسان الذي يلعب في رابِعَةِ النهار هذا أيضًا آمِنٌ، ولكنَّ اللَّه هدَّدَ هؤلاءِ المبْطِلِينَ في حال أمْنِهِمْ أن يأْتِيهُم عذابُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَغْتَةً.
وظاهرُ الآية الكريمةِ أن هذا في الدُّنْيا، ولا فَرقَ بينَ أن يكونَ هذا العذابُ على يَدِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأصحابِهِ أو مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فالعذابُ الذي أَتَى قُرَيشًا لما دَعَا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ربه فقال:"اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ"(١)،
(١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب تسمية الوليد، رقم (٥٨٤٧)؛ ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، رقم (٦٧٥) عن أبي هريرة.