للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأَصَابهُم الجَدْبُ والقَحْطُ والجوعُ؛ هذا العذابُ مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وكذلك ما كان على أَيْدِي المؤمنينَ في غَزوةِ بَدْرٍ فإن تلكَ الغزوةَ أصابَتْهُم إصابةً بالِغَةً عظِيمَةً، ولهذا سَمَّى اللَّه يومَهَا يومَ الفِرقانِ، ما من بَيْتٍ من بُيوتِ مكَّةَ الكبارَ إلا وقَدْ أُصيبَ بهذه المصِيبَةِ وعُذِّبَ بهذا العذابِ.

وعلى العُمومِ فإن قُرَيشًا أُصِيبُوا عامَّةً بنَكْبَةٍ بالِغَةٍ لأن صَنَادِيدَهُم ورُؤساءَهم قُتِلُوا، ثم قُتِلُوا وغُلِبُوا وأُسِرُوا وهُزِمُوا وخابُوا، على حين أنهم كما قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٤٧]، خرَجُوا وقد جَزَمُوا أنهم غَانِمُونَ وهازِمُونَ للرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأصحابِهِ، ويقول أبو جَهْلٍ: واللَّهِ لا نَرْجِعُ حتى نَقْدَمَ بَدْرًا فنَنْحَرُ الجَزُورَ، ونُسْقَي الخمور، وتُعْزَفُ علينا القيانُ، ويَسْمَع بِنَا العرب فلا يزالونَ يهَابُونَنَا أَبَدًا (١).

لكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ورَائِهِمْ محُيطٌ، فالذي حَصَلَ أن العربَ تَحَدَّثُوا بهم، وأن القِيانَ عَزَفَتْ عليهِمْ بالنَّعْي لا بالفَرْحِ، وأنهم سُقُوا كأسَ الحمامِ ولم يُسْقَوا الخَمْرَ، فصارَ الأمرُ عكسَ ما قالُوا تمامًا، والنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رفعَ اللَّهُ رايَتَهُ ونصَرَهُ، ووقَفَ عليهم مُوَبِّخًا على القَلِيبِ وهم جُثَثٌ هامدَةٌ، يقول: "يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ! هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا" (٢)، هل يُوجَدُ أبلغُ من هذا الذُّلِّ


(١) انظر: سيرة ابن هشام (٣/ ١٦٦) غزوة بدر الكبرى، أبو سفيان يرسل إلى قريش يطلب منهم الرجوع.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، رقم (٣٧٥٧)؛ ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه. . .، رقم (٢٨٧٤) عن أنس، ولفظ مسلم: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ترك قتلى بدر ثلاثًا ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال: "يا أبا جهل بن هشام! يا أمية بن خلف! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا".

<<  <   >  >>