للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعارِ -والعياذ باللَّه- وسبعون رَجُلًا منهم أُسِرُوا ولم يُطْلَقُوا إلا بفَداءٍ، وصَاروا بَدَلَ الكَرَاسِي العالية يُدرِّسونَ الصِّبْيانَ في المَدِينَةِ ويُعَلِّمُونَهُم الكتابةَ، هذا ذُلٌّ ما وراءَهُ ذُلٌّ، وعذابٌ ما ورَاءه عَذَابٌ!

وليس في الحقيقة العذابُ ألمَ البدنِ فقط، أنا عندي وعندَ كُلِّ النَّاسِ أن العذابَ المهِينَ هو ألمُ القَلبِ والنَّفْسِ، هذا أشدُّ وأعْظَمُ، فالعذابُ العظيم في الحقيقةِ هو عذَابُ القَلْبِ، ولِذَلكَ إذا مَنَّ اللَّه على الإنسانِ بقَلْبٍ مُطْمَئِنٍّ وصدْرٍ مُنْشَرِحٍ مهما يحْدُثُ لا يتَعَذَّبُ ولا يتَألَّمُ بشيء.

الحاصِلُ أن ما أصابَهُم بفِعْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أو بفِعْلِ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو مِنَ العَذابِ بَغْتَةً، ، وكذلك أيضًا ما يُصِيبُ الواحِدُ منهم عند الموت -وما أقْرَبُ الموتِ مهما طالتْ بالإنسانِ الحياةُ- إذا جاءَهُ الموتُ يُبَشَّرُ بغضبٍ من اللَّهِ وسَخَطٍ، ويقال لرُوحِهِ: اخْرُجِي أيتها الروحُ الخَبِيثَةُ (١)، فهذا -والعياذ باللَّه- مِنَ العَذابِ، فعَذَابهم في الدُّنيا وعندَ الموتِ، وفي الآخِرَةِ العذابُ المهينُ.

لو قال قائل: هل يستفادُ من قوله تعالى: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} جواز أن يقولَ الإنسانُ: هذا وَقَعَ صِدْفَةً؟

الجواب: هذا فيه تفصيلٌ: أما بالنِّسْبَةِ للخالقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فلا يجوزُ التَّعْبِيرُ بكلمَةِ صِدْفَةٍ، فلا يجوزُ لأحدٍ أن يقولَ: إن اللَّه تعالى أوْقَعَ هذا صُدْفَةً، بمعنى أن اللَّه جَلَّ وَعَلَا ما أرَادَهُ وقدَّرَهُ، لكن بالنسبة للإنسان نَفْسِهِ، فالإنسانُ قاصِرُ العِلْمِ يقَعُ الشيءُ عليه بدُونِ تَوَقُّعٍ، فيقول: حصل كذا صُدْفَةً أو صادَفَنِي فُلانٌ، والمعنى:


(١) أخرجه أبو داود: كتاب السنة، باب في المسألة في القبور وعذاب القبر، رقم (٤٧٥٣)؛ وأحمد (٤/ ٢٨٧) (١٨٥٥٧) عن البراء بن عازب.

<<  <   >  >>