للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَحِمَهُ اللَّهُ، ما الدَّاعِي لصَرْفِ اللِّفْظِ عن ظَاهِرِهِ؟ ولهذا فالمتَعَيِّنُ أن يكونَ القائل هو اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقد قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: ١٠٨ - ١٠٩]، وهذا واضحٌ وصَرِيحٌ أن القائل هو اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

وهنا أيضًا في هذه الآيةِ القائلُ هو اللَّه جَلَّ وَعَلَا، فقولُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [نقولُ، أي: نَأْمُرُ مَنْ يقولُ] تحريف، فما الذي يمْنَعُ أن اللَّه تعالى هو الذي يقولُ؟ ! أليس اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يتَكَلَّمُ بما شاءَ ومتى شاءَ، وكلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مسموعٌ بصوتٍ لا يُشْبِهُ الأصواتَ وبحروفٍ يفْهَمُها المخاطَبُ بهذا الكلامِ، ومما يدُلُّ على أن القائل هو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أن القراءةَ الثانِيَةَ بالياءِ، فلو فسَّرنا قوله تعالى: (نقول) بأنه المُلْكُ لخالَفْنَا القراءة الثانية، والقراءات يُفَسِّرُ بعْضُها بعضًا كما في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]، فمَعْنَى (تَبَيَّنُوا) فسَّرتها القراءةُ الثانيةُ "فتَثَبَّتُوا".

واعلم أن مَنْ يعْتَقدُ مَذْهبًا مِنَ المذاهبِ تَجِدُهُ يحرِّفُ الكلِمَ عن مواضِعِه لأجلِ أن يُوافِقَ ذلك المذْهَبَ، وهذا خطيرٌ جدًّا، فالواجبُ أن يكونَ الإنسانُ نحو الأَدِلَّةِ ساذَجًا، بمعنى خالِيًا وتابِعًا تَمَامًا للدَّلِيلِ، ولا يجعلُ الدليلَ تابِعًا، بل يجعلُ نَفْسَهُ تبَعًا للدَّلِيلِ، ويكونُ كالأرض التي ليس فيها عُشْبٌ ولا نَبَاتٌ، فهي مهَيَّأَةٌ لما يُبْذَرُ فيها، بخلافِ الأرض التي يُوجدُ فيها نباتٌ من قَبْل، فلا بُدَّ أن يكونَ الغَرْسُ مثلَ النباتِ الذي قَبلَهُ.

لو قال قائل: أهلُ السُّنَّةِ يقولون: إن اللَّه جَلَّ وَعَلَا يتَكَلَّمُ بحرفٍ وصوتٍ، مع أن قولهم: "بحرف وصوت" لم يأتِ به النقْلُ في الكتاب والسُّنَّةِ، فما الجوابُ؟

<<  <   >  >>