للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طلاقَ الثلاثِ واحدة (١)، بل هو نَفْسُه -رضي اللَّه عنه- يجعْلُ الطلاقَ الثلاثَ واحدةً سنَتَيْنِ من خلافَتِهِ، لكن لما رَأَى الناسَ كَثُرَ فيهم هذا الشيءَ أرادَ أن يُلْزِمَهم لأجلِ أن يرْتَدِعُوا.

ونحن دائمًا نقَرِّرُ أن العِلمَ ليس مجَرَّدَ علمٍ، بل هو عِلْمٌ وتَرْبِيَةٌ، فأهمُّ شيءٍ أن يُرَبَّى الناسُ على الشريعةِ، ولهذا يُرْوَى عن عَلِيٍّ -رضي اللَّه عنه-: "حَدِّثُوا النَّاسَ بما يَعْرِفُونَ، أتُرِيدُونَ أنْ يُكذَّبَ اللَّهُ ورَسُولُهُ" (٢).

وقوله: {وَيَقُولُ} أضافَهُ اللَّه إلى نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بصِيغَةِ العَظَمَةِ هذا على قراءةِ النُّونِ؛ لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعظَمُ العُظماءِ، وهذا كقوله تعالى: {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: ٨١]، ومعلومٌ أنه واحِدٌ، لكن هذا من بابِ التَّعْظِيمِ، ولا شكَّ أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عظيم، وقد سبق أن مَا أضافَهُ اللَّه لنَفْسِهِ بصِيغَةِ العظمةِ قد يُرادُ به نفسه جَلَّ وَعَلَا، وهذا هو الأصلُ وهو الغالبُ الكثيرُ، وقد يُرادُ به ملائكَتُه إذا وُجِدَتْ قرينةٌ ودَلِيلٌ.

وقوله: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الأمر هنا للإهانَةِ، لإهانَتِهِمْ وتوبِيخِهِمْ.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (ما): اسم موصولٌ بمعنى الذي، وعلى هذا فيكونُ العائدُ مَحْذُوفًا، والتقدير: ما كُنْتُم تعملونه، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: جَزَاءَهُ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الطلاق، باب طلاق الثلاث، رقم (١٤٧٢) عن ابن عباس بلفظ: "كان الطلاق على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم".
(٢) أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا، رقم (١٢٧).

<<  <   >  >>