للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثاله: إذا قال والِدُكَ لك: قُمْ صَلِّ مع الجماعَةِ، وجبَ عليكَ أن تُصَلِّيَ، أما طَاعتُهُما فيما ليس بطاعَةٍ ولا معصيةٍ فنقول: إن كانَ في طاعَتِهما إحسانٌ إليهما فإنَّ الآية تدلُّ على الوُجوبِ، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِالْوَلدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣]، فإن لم يكنْ في طاعَتِهما إحسانٌ إليهما فالآية لا تدلُّ على الوُجوبِ، ولهذا قال شيخُ الإسلامِ: "إنَّ طاعَةَ الوالِدَينِ إنما تَجبُ فيما لهما فيه مَنْفَعَةٌ وليس عليه فِيهِ مَضَرَّةٌ" (١).

والآيَةُ تَدُلُّ على ما قالهُ الشَّيخُ؛ لأنَّ اللَّهَ نَهَى عنْ طاعَتِهِما في المعْصيةِ، وسكتَ عن طاعَتِهما في غيرِ المعْصيةِ، فننظرُ: إن كانَتْ طاعَتهما في غيرِ المعصِيَةِ تَتَضَمَّنُ الإحسانَ إليهما فَهِي واجِبَةٌ، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣]، مثاله: إذا أمَركَ أبوكَ أن تذهبَ وتشتَرِيَ مِنَ السُّوق حاجَةً، كان ذلِكَ واجبًا عليك لأنه من الإحسانِ إليه، فيَجِبُ عليكَ أن تفعلَ، وإذا أمَرَكَ أبوك ألَّا تُصاحِب فلانًا لأنه مُستقِيمٌ، فلا يجبُ عليكَ ذلك؛ لأن في ذَلكَ مَضَرَّةً، أو على الأقل فَوات منْفعةٍ لك، وليس فيه منْفعَةٌ لَهُ.

وإذا قال: لا تُصاحِبْ فلانًا؛ لأن فلانًا بينه وبين أبيكَ عَدَاوةً شخصيةً وأنت ليس عليك مَضَرَّةٌ وليس لك مَنفعَةٌ من مصاحَبَتِهِ فإنه تجِبُ طاعَتُهُ؛ لأن مصاحبتَكَ لعَدُوِّ أبيكَ يَغيظُ أباكَ، فيكون بذلك منْفَعَةً.

ولو قال لك أبوكَ: لا تَحُجَّ هذا العام، وأنت قادِرٌ على الحجِّ بمالك وبدَنِك ولم تؤدِ الفَريضةَ فلا تُطِعْه؛ لأنه يجبُ عليك أن تَحُجَّ ولو كان لا يَرْضَى بذلِكَ.

فإن قيلَ: إن في تَركِ الحجِّ حصولَ منْفعةٍ للأب، وهي خِدمتُهُ عند الحاجَةِ، فهنا ينظر: فإن كانَ لا يقومُ مقامَكَ أَحدٌ وهو مُضَطَّر إليك فالحجُّ يَسقُطُ في هذه الحال،


(١) الفتاوى الكبرى (٥/ ٣٨١).

<<  <   >  >>