للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إذا كان الحجُّ نَفْلًا، والأب ليس له مَصلَحةٌ في بقاءِ الابن، ولكنه يقولُ: الحُجَّاجُ كثيرون في هذه السَّنَةِ، فلا تَجِبُ طاعَتُهُ ولكن تجوزُ، وإذا قلنا: تجوزُ ولا تَجِبُ، فحينئذٍ ينْبَغي للإنسانِ أن يَنْظرَ ماذا يَتَرتَّبُ على سَفَرِهِ، فقد يكونُ الوالدُ لا يستطيعُ أن يستَقِرَّ وولَدَهُ قد سافَرَ إلى هذا الجمع الكثير، ويبْقى قَلِقًا مُدَّة غيابِ ولده، فهنا تترجَّحُ الطاعَةُ وعدمُ السَّفرِ، أما إذا عَلِمنا أنه لا يُبالي ولكنه من بابِ المشُورةِ ولن يتَأثَّر، فحينئذٍ لا تجبُ طاعَتُهُ في هذا الأمر، إِلَّا أنه يَنْبَغي المدَارَاةُ ما أمكنَ في هذا الباب.

وإذا قال: طَلِّقْ زوجتَك، فلا يجبُ عليك أن تُجيبَهُ، إِلَّا إذا كان في ذلك مصْلحةٌ شرْعِيَّة، مثلُ أن يكونَ الأبُ اطلَّعَ على أمْرٍ لا يتَحَمَّلُ أن تَبْقى زوجتك معك مِنْ أجله، أما إن كان بينَهُما عدَاوةٌ شَخْصية فلا يجبُ على الابنِ تَركُ زَوجتِهِ، لكن في مثلِ هذا تستَطِيعُ أن تُدَارِيهِ بنَقْلِهَا إلى مكان آخر فيستَريحُ هو وهِي.

وأما فِعْلُ ابنِ عُمرَ مع أبيه، فهذا أُورِدَ على الإمامِ أحمدَ لما سألَهُ رجل أن أبَّاه أمَرَهُ أن يُطلِّقَ زوْجتَهُ، قال: لا تُطَلِّقْهَا، قال: أليس عُمَرُ أمرَ ابنَ عمرَ أن يطلِّقَ زوجته، فأمَره النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بتَطْليقِهَا؟ قال: نعم، حَصَلَ هذا، ولكن: هَل أبوكَ عُمَرُ؟ (١)

والجواب: لا. ليس هو عُمَرُ.

إذن الآية الكريمةُ تدلُ على تحريمِ طاعتِهِما في المعْصِيَةِ، وسكَتَتْ عن طاعتِهما في غيرِ المعْصيةِ، وعلى هذا فلا تجِبُ طاعتُهُما إِلَّا إذا كانَ دَاخِلًا في أوَّلِ الآية بأن كانَ في ذلكِ إحسانٌ إليهما، فتكونُ واجِبةً لقولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: ١٥].


(١) طبقات الحنابلة (١/ ١٧١).

<<  <   >  >>