والذي يظْهَرُ -واللَّه أعلم- إذا لم يكن هناك سببٌ لتَغْلِيبِ أحَدِهما على الآخر فالأَوْلَى أن يكون سواء، أما إذا كان هناك سببٌ فإنه ينْبَغِي أن يَتَّبِعَ ذلك السَّببَ، فإذا هَمَّ بالمعْصِيَةِ لو جعلَ رجاءَهُ وخوفَهُ سواء هانَتْ عليه؛ لكن لو غلَّب جانبَ الخوفِ وتَذَكَّرَ عظمَةَ من يَعْصِيهِ كان ذلك أدْعَى لتَجَنُّبِ المعصِيَةِ، وأما إذا وقعَ في المعصية وأراد التوبة قُلْنا: غَلَّب جانبَ الرَّجاءِ.
لو قالَ قائلٌ: الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على غُلامٍ وهو يحتَضِرُ فقال:"كَيْفَ حالُكَ؟ " فقال: أرجو اللَّه وأخافُ ذُنُوبي. فقال الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"مَا اجْتَمَعَا فِي قَلْبِ عَبْدٍ في مِثْلِ هذا الموْطِنِ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ"(١)، أو كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-، ألا يَدُلُّ هذا على استواءِ الخوفِ والرَّجاءِ؟
فالجواب: أن المسألةَ لها أحوالٌ، وقد تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهَا، وهذا الحديث نَنْظُرُ صِحَّتَهُ من ضَعْفِهِ.
لو قال قائلٌ: الكلامُ المباحُ الذي ليس بحَسَنَةٍ ولا سَيِّئَةٍ هل يَكْتُبُه المَلَك، وهل يُمْحَى بعد ذلك أم لا؟
فالجواب: الكلامُ العَادِي -واللَّه أعلم- المؤكَّدُ أنه يُكْتَبُ، أما مسألة هل يُمْحَى أو لا؟ فلا أَدْرِي، إلا ما أخْبَرَ اللَّهُ به من أنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئاتِ قال تعالى:
(١) أخرجه الترمذي: كتاب الجنائز، باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبن، رقم (٩٨٣)؛ والنسائي في السنن الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول المريض إذا قيل له: كيف تجدك؛ رقم (١٠٩٠١)؛ وابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد، رقم (٤٢٦١) عن أنس، ولفظ الترمذي: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كَيْفَ تَجِدُكَ؟ " قال: واللَّه يا رسول اللَّه إني أرجو اللَّه وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ".