للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي قوله: {تُرْجَعُونَ} ترغِيبٌ وتَرْهِيبٌ، فالإنسانُ إذا نظرَ إلى رحمةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وسَعَى في عَفْوِهِ رَغِبَ وقال: سأرجِعُ إلى ربٍّ عَفُوٍّ كريمٍ، وإذا نظَرَ إلى شدَّةِ عِقابِهِ وأن أَخْذَهُ أليم شديدٌ فإنه يخافُ.

وهل يُغَلِّبُ جانبَ الرجاءِ أو جانبَ الخوفِ؟

فيه آراء لأهلِ العِلم، منهم من قال: يُغَلِّبُ جانبِ الرَّجاءِ، ومنهم من قال: يُغَلِّبُ جانبَ الخوفِ، والآيات فيها دِليلٌ لكِلَا القولَيْنِ كما في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: ٤٩ - ٥٠]، فبدأ بالمغفرةِ والرَّحْمَةِ قبلَ ذلكَ العَذابِ، وكذلك قوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٩٨]، فبدأ بالتَّهْدِيدِ قبلَ الوَعِيدِ.

وقال بعضُ العلماء: في حالِ الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ جانبَ الخوفِ حتى يَسْتَقِيمَ على أمرِ اللَّه، وفي حالِ المرَضِ يُغَلِّبُ جانبَ الرَّجاءِ، لأجل أن يُلاقِيَ اللَّهَ وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ، فاعتَبَرُوا اختلافَ الحالينِ.

وقال آخرون: يجْعَلُ خوفَهُ ورَجَاءَهُ واحدًا، قال الإمامُ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ: ينْبَغِي أن يكونَ خوفُهُ ورَجُاؤُه واحدًا، فأيهما غَلَّبَ هلَكَ صاحِبُه؛ لأن إن غلَّب جانب الخوفِ استَوْلَى عليه اليأسُ من رَحْمَةِ اللَّه، وإن غلَّب جانبَ الرَّجاءِ استَوْلَى عليه الأمْنُ من مَكْرِ اللَّه، فيكون بين هذا وهذا.

وقال بعضُ العلماء: في حالِ الطاعَةِ يغَلِّبُ جانبَ الرَّجاءِ، وفي حال المعْصِيَةِ يغَلِّبُ جانبَ الخوفِ، يعني: إذا عَمِلَ الطَّاعَةَ يقول: أرْجُو أن يَقْبَلَهَا اللَّه فينْشَطُ على العبادِةَ، وفي المعصية يُغَلِّبُ جانبَ الخوفِ لئلا يَفعَلَ المعْصِيَةِ أو يستمِرَّ عليها بدون تَوْبَةٍ.

<<  <   >  >>