إعارةٍ، يعني: لنُنْزِلَنَّهُم على وجه الإقامةِ الدائمةِ، كما في آياتٍ كثيرةٍ تَدُلُّ على دوامِ نعيمِ أهلِ الجنَّةِ.
وقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يتَكَرَّرُ في القرآنِ ذِكْرُ الإيمانِ والعملِ الصالحِ، واعلم أنه إذا أطْلَقَ الإيمانَ شَمَلَ العَملِ الصالح، وإذا ذُكِرَ مع العملِ الصالحِ صارَ الإيمانُ في القلب والعَمَلِ في الجوارِحِ.
وقوله:{غُرَفًا} جمعُ غُرْفةً، وهي السَّكَنُ العَالي، والحُجْرَةُ هي السَّكَنُ الأسفلُ النازِلُ، ويُسَمَّى حجرة لأنه متَحَجِّرٌ.
قوله:{الْأَنْهَارُ}: جمع نهرٍ، وهذه الأنهارُ أربعةُ أصنافٍ، كما قال تعالى:{فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}[محمد: ١٥]، اللَّهُ أكبرُ!
إنها تَجْري من لَبَنٍ وهذا اللبنُ لم يأتِ من بَقَرٍ ولا من إبل فالذي خَلَقَ اللَّبنَ في الدنيا من بينِ فَرْثٍ ودَمٍ قادِرٍ على أن يجْرِي أنهارًا في الجنة من هذا اللَّبَنِ، وكذلك العَسَلُ والماءُ والخَمْرُ، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٍ، قال تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس: ٨٢].
واعلم أن أحوالَ الدُّنْيَا لا تُقاسُ بها أحوالُ الآخرةِ، وإنما تُفْهَمُ أحوالُ الآخرةِ مِنْ أحوالِ الدُّنيَا بالاسمِ فقط، أما حقيقَةُ المسَمَّى فإنه لا مُقَارَنَةَ ولا مساوَاةَ بينَ هذا وهذا، قال ابنُ عباسٍ -رضي اللَّه عنهما-: "ليس فِي الدُّنْيَا مِمَّا في الجَنَّةِ إلَّا الأَسْمَاءُ فَقَطْ"(١)؛
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١/ ١٧٢)؛ وابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٦٦)؛ والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (١٠/ ١٦)؛ وهناد في الزهد (١/ ٤٩).