للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكنَّ الحقيقةَ التي هي عليها تَخْتَلِفُ اختِلافًا عَظِيمًا، وليس قَصْدُهُ -رضي اللَّه عنه- أن هذه الأسماءَ مُجَرَّدَةٌ عن المعَانِي، فالعَسَلُ معروفٌ، وهو الشَّرابُ الحُلْوُ، لكنَّ حلاوَتَه ولذَّتَهُ في الدُّنيا ليس كحَلاوَتهِ ولَذَّتِهِ في الآخرة، فليس قَصْدُهُ أننا لا نعْرِفُ إلا اسمَ العَسَلِ فَقَطْ: (عين، سين، لام)، لو كان كذلك تَفْوِيضًا.

لو قال قائل: هل يوجَدُ في الجنَّةِ غيرُ هذه الأنهارِ الأرْبَعَةِ؟

فالجواب -واللَّه أعلم-: ليس فيها غَيْرُها؛ لأن مَقامَ الامْتِنَانِ يسْتَوْعِبُ كل ما يمكن أن يَمْتَنَّ اللَّه به، ولما لم يَذْكُرِ اللَّهُ تعالى سِواهَا عُلِمَ أنه ليس فيها غيرها، ولكِنَّنَا لا نجْزِمُ بذلك؛ لأن هذه الأمور التي لا نُدْرِكُها يُقْتَصَرُ فيها على النَّصِّ.

وقوله: {مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} انظر كيف يتَصَوَّرُ حُسْنَ المنظرِ إذا صَارتْ هذه الغُرفُ وهذه القصورُ العظِيمَةُ والخيام تَجْرِي مِنْ تحتِهَا الأنهارُ، فالمنْظَرُ يُبْهِجُ الناظرينَ ولا يُسَاويهِ شيءٌ في الحُسْنِ والسُّرُورِ، وهذه الأنهار كما قال ابنُ القيم رَحِمَهُ اللَّهُ ورَدَتْ أحاديثُ تَدُلُّ على أنها تَجْرِي بِدونِ أُخْدُودٍ (١)، يعني بدونِ شيءٍ يَمْنَعُها، فيتَصَرَّفُ فيها الناس كيفَمَا شَاءوا، فهذه الأنهارُ لا تَحْتَاجُ إلى عمَّالٍ ولا إلى مَسَاحي، قال ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في النونية (٢):

أَنْهَارُهَا فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ جَرَتْ ... سُبْحَانَ مُمْسِكهَا عَنِ الْفَيَضَانِ

نعم سبحانه! ونَضْرِبُ مثلًا مِنَ الدُّنْيَا، وفرقٌ بين أمورِ الدُّنْيَا وأمورِ الآخرةِ: لو كان على يَدِكَ دَسَمٌ وجرى عليها الماءُ أليس ينْحَصِرُ في حُبَيْبَاتٍ؟ هذا الانحصارُ


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٦/ ٢٠٥).
(٢) في النونية (ص: ٣٢٦).

<<  <   >  >>