للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تُوجَدُ حدودٌ تَمْنَعُهُ، فإذا كان هذا الأمرُ مُمْكِنًا في الدنيا فإنه يُمْكِنُ في الآخرة ما هو أشَدُّ وأعْظَمُ، واللَّه جَلَّ وَعَلَا الذي يُمسِكُ السماءَ بلا عَمَدٍ قادِرٍ على جريانِ هذه الأنهارِ في الجنة بِلا أُخْدُودٍ.

فالحاصل: أن هذه الأنهار عندَمَا يتَخَيَّلُها الإنسانُ وهي تجْري مِنْ تحتِ هذه الغُرفِ يتَصَوَّرُ منَظْرًا عَظِيمًا، ولا سيما الذين لهم ذَوْقٌ في هذه الأمورِ، وإلا فنحن ليس عندنا ذَوْقٌ في هذه الأمور، فلا نَتَصَوَّرُ كيف يكون هذا المنظرُ وهذه البهجَةُ.

وقَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [مُقَدَّرِين فيها الخُلودِ]، ذلك لأن كلمة {خَالِدِينَ} تدلُّ على الخُلودِ، والخلودُ مستَمِرٌّ، فإذا كان مُسْتَمِرًا فإنه لا يكون مع الدخول، فتكونُ حالًا مُقَدَّرَةً، والحالُ المقَدَّرَةُ هي التي لا تأتي دَفْعَةً واحدة، مثاله: إذا قلت: (جاء الرَّجُلُ قائمًا)، هو حالُ مَجِيئهِ قَائمًا، لكن في هذه الآية وَعْدُ اللَّهِ المؤمنين فقال: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا}، وهذا الخلودُ لم يحْصُلْ حينَ الوَعْدِ في قولِهِ: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ}؛ لأن {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} فِعْلٌ للمُسْتَقْبَلِ فهو غَيْرُ حاصلٍ حالَ الوعْدِ؛ لأن هذا الوعدَ في الدُّنْيَا، فيكونُ الخلودُ مُقَدَّرًا؛ لأن الإنسانَ عندما يَنْزِلُ يبْقَى خَالِدًا إلى الأبد.

قوله جَلَّ وَعَلَا: [{نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} هَذَا الأجْرُ]: قدَّرَ المُفَسِّر (هذا الأجر) ليُبَيِّنَ المخصوص بالمدحِ؛ لأن نِعْمَ وبِئْسَ تحتاجُ إلى فاعِلٍ وإلى مخْصُوصٍ بالمَدْحِ أو الذمِّ، كما تقول: نعمَ الرجلُ زيدٌ، فزيد هو المخْصُوصُ بالمَدْحِ، والرجل فاعل، فقوله: {نِعْمَ} فعل ماضٍ جامد، أي: لا يتَصَرَّفُ.

وقوله: {أَجْرُ} فاعلٌ ومُضَافٌ، و {الْعَامِلِينَ} مضافٌ إليه، وهذه الجملة تحتاجُ إلى مخصوصٍ بالمدْحِ فقَدَّرَهُ المُفَسِّر: [هَذَا الأجْرُ]، فالتقدير: نِعْمَ أجْرُ العاملين هَذا الأجْرُ والجزاءُ، وإعراب (هَذا الأجْرُ) أي المخصوص: مبْتَدَأٌ مؤخَّرٌ، وجملة

<<  <   >  >>