وأما قوُل عمرَ -رضي اللَّه عنه-: "نِعْمَتِ البِدْعَةُ"(١) فالبدْعَةُ هنا نَسْبِيَّةٌ، فإن جمعَ الناسِ على إمامٍ واحدٍ بعدَ أن تَرَكَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكرٍ وأَوَّلُ خلافةِ عُمَر يُعْتَبَرُ بِدْعَةً نِسبِيَّةً، أي: بالنِّسْبَةِ لتركْهِا هذه المدة.
أو نقول: إنها بِدْعَة لُغَوِيَّةٌ، والذي وردَ النَّهْي عنه والذَمُّ لفاعِلِه هي البِدْعَةُ الشرعِيَّةُ.
والمعنى الأوَّلُ أقْوى: أنها بِدْعَةٌ نَسْبِيَّةٌ إضافية بالنِّسْبَةِ لتَرْكِها هذه المدة بدون أن تُقامَ، وتَرْكُهَا كان لسببٍ، فلما انتَفَى هذا السببُ عادَتِ المشْرُوعِيَّةُ.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: أن جزاءَ المؤمنين العامِلِينَ عَمَلًا صالحًا سُكْنَى الجنَّاتِ، لقولِهِ:{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا}.
الفَائِدةُ الرَّابِعة: الإقامَةُ الدَّائمَةُ في الجنَّةِ على قِراءةِ: (لنُثْوِيَنَهم) وأيضًا لقوله: {خَالِدِينَ}؛ لكن لَيْسَتْ صَرِيحَةً.
الفَائِدةُ الخامِسَةُ: أن مَنازِلَ الجنَّةِ عالِيَةٌ، لقوله:{غُرَفًا}.
الفَائِدةُ السَّادسَة: أن في الجنَّةِ أنهارًا، لقولِهِ:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، والأنهار قد تَقَدَّمَ أن أصنَافَهَا أرْبَعَةٌ.
الفَائِدةُ السَّابِعةُ: التَّنَعُّمُ في الجنَّةِ كما يكونُ بالأكْلِ والشُّرْبِ والنِّكَاحِ واللباسِ يكون كذلكَ بالنَّظَرِ وبالبَهْجَةِ، لقوله:{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، فإنك لا تستَطِيعُ الآن أن تَتصورَ البَهْجَةَ التي تَنَالهَا، إذا رأيتَ هذهِ الأنهارَ تجْرِي تحتَ قُصورِكَ
(١) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة في رمضان، باب ما جاء في قيام رمضان، رقم (٢٥٠) بلفظ: "نعم البدعة هذه".