للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. . . " الحديث (١)، أهلُ البِدَعِ يستَدِلُّونَ بهذا الحديثِ على جوازِ ما يبْتَدِعُونَهُ، فكيف الجوابُ عن هذا الحديثِ؟

الجواب: ليس مَعْنَى قوله: "مَنْ سَنَّ" أي: مَنْ شَرعَ، بل معنى قوله: "مَنْ سَنَّ" أي: من فَعَلَ ما هو مَشْرُوعٌ وابتدأَ به.

ويَدُلُّ على هذا سببُ الحديثِ، فإن سبَبَهُ أن رَجُلًا لما دَعَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلى التَّبَرُّعِ للقوم الذين جَاءوا من مُضَرَ مُجْتَابِي النِّمَار فُقَراء، فجاء رجلٌ مِنَ الأنصارِ بِصَرَّةٍ لا يستطيع أن يحْمِلهَا مِنْ ثِقَلِها، فأخَذَها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم تَتَابَعَ الصحابةُ بعدَهُ، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةَ حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا" فيُحْمَلُ الحديثُ على أن المراد بالسَّنِّ، الفعلُ، يعني: ابتداءَ العَملِ، يعْنِي: من بادَرَ وسابَقَ حتى صارَ قُدْوَةً للناسِ في ذلك، ولذلك قال: "فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"، وإلا فلا يُمْكِنُ أن نقولَ إن البِدْعَةَ التي ابتُدِعَتْ إنها حَسَنةٌ، لقولِ الرَّسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (٢)، والضَّلالُ لا يوصَفُ بالحُسْنِ؛ هذا جوابٌ.

والجوابُ الثاني: أن يُقَالَ: المرادُ بـ "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً" ما كان وَسِيلَةً إلى مأمورٍ به، مثاله: رجلٌ بَنَى بُيُوتًا لطلبَةِ العِلم، أو أنشأَ مطَابِعَ لطِباعَةِ كُتبِ العلم وما أشبه ذلك، هذه سنَّةٌ ابتدائية لكنها وَسِيلَةٌ، ووسائلُ المشْرُوعِ مشروعة لا لِذَاتِهَا لكِنْ لغَايتِهَا.


(١) أخرجه مسلم: كتاب العلم، باب مَنْ سنَّ سنة حسنة أو سيئة. . .، رقم (١٠١٧) عن جرير بن عبد اللَّه البجلي.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (٨٦٧) عن جابر بن عبد اللَّه.

<<  <   >  >>