للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومجاهَدَةِ النَّفْسِ على فعلها وإتمْامِهَا وإتقَانِهَا، وصَبَرُوا على المعصيةِ بحَبْسِ النَّفْس عن فعلها، وصَبَرُوا على أقْدارِ اللَّه فحَبَسُوا أنْفُسَهُم عن التَّسَخُّطِ على القَدَرِ. فإن مقاماتِ المصابِ بأَذَى أربعةٌ.

وقوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ} متَعَلِّقٌ بـ {يَتَوَكَّلُونَ}، وقدَّمَ الجارَّ والمجْرُورَ على عامِلِهِ لإفادَةِ الحصْرِ.

والتوَكُلُّ معناه: الاعتمادُ، وعرَّفَهُ بعْضُهم بقَولِهِ: صِدْقُ الاعتمادِ على اللَّه في جلبِ المنَافِعِ ودَفْعِ المضارِّ مع الثِّقَةِ به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وقوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ} أي: لا يتَوَكَّلُونَ على غيرِهِ.

واعلم أن التَّوَكُّلَ ينْقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقْسامٍ:

الأولُ: توَكُلُّ عبادَةٍ مَقْرُونٌ بالخَشْيَةِ والمحَبَّةِ والتعظيمِ، وتفويضِ الأمر تَفْوِيضًا كاملًا إلى المعتَمَدِ عليه، وهذا النوعُ لا يجوزُ إلا للَّه عَزَّ وَجَلَّ.

الثاني: توكُّلُ اعتمادٍ بلا عبادة، بمعنى أن الإنسان يَعْتَمِدُ على غَيْرِهِ، لكنَّه اعتمادٌ لا يَشْعُرُ معه بأنه متَذَلِّلٌ وخاشٍ له ورَاغِبٌ إليه، وهذا القِسْمُ إذا كان على ما يمكن الاعتمادُ عليه فهو شَرْكٌ أصْغَرُ، وإن كان على ما لا يُمْكِنُ الاعتمادُ عليه فهو شِرْكٌ أكبْرُ، يعني: إذا كان على ميِّتٍ أو غائبٍ لا يمكنك أن تعْتَمِدَ عليه فيكون شِرْكًا أكبرَ؛ لأنه ليس لذلك معنى إلا أن تَعْتَقِدَ أن هذا المعتَمَدَ عليه متَصَرِّفٌ في الكُونِ بغير مباشَرَةٍ، وهذا يحْصُلُ لكثيرٍ مِنَ المشْركِينَ الذين يعْتَمِدُون على الأمواتِ والأولياءِ وإن كانوا بَعِيدِينَ.

أما إذا كان يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وهو يُمْكِنُ أن يكونَ سَبَبًا في جَلْبِ المنفعةِ أو دفْعِ

<<  <   >  >>