للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تَكُونُ إلا بفعلٍ مِنَ العَبْدِ وبمَعُونَةٍ مِنَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويجبُ على المرءِ عِنْدَما يتَعَبَّدُ للَّه أن يكونَ مُعْتَمِدًا على ربِّهِ؛ لأن اللَّه لو وَكَلَهُ إلى نفْسِهِ لوكَلَه إلى ضَعْفٍ وعَجْزٍ وعَوْرَةٍ، فلا يستَطِيعُ أن يقومَ بما أوْجَبَ اللَّه عليه.

قوله: [{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فيَرْزُقُهم مِنْ حيثُ لا يَحْتَسِبُونَ]: هذه الجملةُ من المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه لا تُناسِبُ التَّوَكُّلَ؛ لأن الذي يُنَاسبُ التوكُّلَ أن يقول: فيكونُ حَسْبُهُم، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣]، أما الرِّزْقُ من حيثُ لا يَشْعُرُ فيُنَاسِبُه التَّقْوَى لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢ - ٣]، وفرْقٌ بينَ الأمْرَينِ، لكنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أتى بهذه الجُملةِ توطِئةً لما بعدها، وهو قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}، وإلا فبالنظَرِ إلى الآيةِ المفَسَّرَةِ لا يناسِبُها هذا القولُ.

لو قال قائل: التوَكُّل ينَاسِبُه الرِّزْقُ؛ لأن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ: "لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَما يَرْزُقُ الطَّيْرُ. . . " الحديث (١)، فكيفَ الجوابُ عن هذا؟

فالجواب: معْنَى الحديثِ لو تَوَكَّلْتُمْ علَى اللَّه في طَلَبِ الرِّزْقِ، لكِنَّ التَّوَكُّلَ المطْلَقَ هو أن يكونَ اللَّهُ حَسْبَهُ، فيقول: حَسْبُنَا اللَّهُ ونَعْم الوكيلُ.

فهل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يكونُ وَكِيلًا ومُوَكِّلًا؟

الجواب: نعم يكون اللَّه وكيلًا، وهذا كَثيرٌ في القُرآنِ، وقال تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: ٣]، ومثلها قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: ٣٩].


(١) أخرجه الترمذي: كتاب الزهد، باب في التوكل على اللَّه، رقم (٢٣٤٤)؛ وابن ماجه: كتاب الزهد، باب التوكل واليقين، رقم (٤١٦٤)؛ وأحمد (١/ ٣٠) (٢٠٥) عن عمر بن الخطاب.

<<  <   >  >>