والضمير في {يَرْزُقُهَا} أي: هَذِهِ الدَّابَّةُ، {وَإِيَّاكُمْ}: معطوفة على (الهاء)، والضميرُ هنا واجِبُ الانفصالِ إذ إن الضَّمِيرَ المتَّصِلَ لا يُمْكِنُ أن يتَأَتَّى هنا، فلا يَصِحُّ أن تقولَ:(اللَّه يَرْزُقَها وكُم)، فالضمير إذا أتى بعدَ العَطْفِ أو بعد (إلا) فلا بُدَّ أن يكونَ مُنْفَصِلًا.
وقوله: [{وَإِيَّاكُمْ} أيُّهَا المهَاجِرُونَ وإن لَمْ يكُنْ مَعَكُمْ زادٌ ولا نَفَقَةٌ]: لأن الكلامَ -كما قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه سابقًا- مَسُوقٌ في الِهجْرَةِ ومغادَرةِ البلَدِ، فاللَّهُ تعالى كما رَزَقَ هذه الدَّوابَّ الكثيرةَ التي لا تُحْصَى جِنْسًا، فضلًا عن النوع، فَضْلًا عن الأفرادِ، فأنتُمْ كذلك إذا هَاجَرْتُمْ لا يَضِيعُ رِزْقكُمْ، بل رِزْقكُم على اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنفال: ٧٠]، وقد حَصَلَ، فأَسْرَى بَدْرٍ الذين أسْلَمُوا حَصَل لهم مِنَ الفَيْءِ والغنَائِمِ أكثرَ مِمَّا أُخِذَ منهم.
قولى: [{وَهُوَ السَّمِيعُ} لأقْوَالِكُمْ، {الْعَلِيمُ} بضَمائِرِكُمْ]: فاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سميعٌ لكُلِّ شيءٍ، يسمَعُ كلَّ صوتٍ وإن خَفِي، كما قال تعالى:{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه: ٧]، فهو يعلمُ كلَّ ما يكون من صوتٍ خَفِيٍّ، سواء كان قولًا أمْ غيرَ قولٍ، لكنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ خصَّ القولَ لأنه مَحَطُّ التَّكلِيفِ، ومَحَطُّ الإثمِ أو الأَجْرِ.
و{السَّمِيعُ}: من أسماء اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وله مَعْنَيانِ:
أحدُها: إدْرَاكُ المسْمُوعِ.
والثاني: إجابَةُ الدُّعاءِ.
أما إدراكُ المسْمُوعِ فَلَهُ أمثْلِةٌ كثيرةٌ كما في قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ