أصحابِ الإمامِ أحمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ دخل عليه وهو مريضٌ، ويَئِنُّ من المرضِ، فقال: يا أبا عبدِ اللَّهِ كيفَ تَئِنُّ وقد رَوى طَاووسُ أن الملائكةَ تَكْتُبُ حتى أَنِينَ المرِيضِ (١)، فلما قال ذلك كفَّ -رضي اللَّه عنه- وصارَ يتَحَمَّلُ ولا يَئِنُّ مِن مرضِهِ، مع أن الأنينَ أحيانًا يكون شَيْئًا طَبِيعِيًّا.
والشاهد: أنه يجبُ علينا أن نعتَقِدَ أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عالمٌ بكُلِّ شيءٍ، وأنه مقدِّرٌ لكلِّ شيء، وأن آجالَ كلِّ شيءٍ مكتوبةٌ، وكُلُّ حركاتِهَا وسكنَاتِهَا مكتوبة، وأنه لا يحدُثُ شيء في الأرضِ ولا في السماء إلا بعِلْمِ اللَّهِ وإرَادتِهِ وخلْقِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
مسألة: هل مَلَكُ الموتِ يَقْبِضُ أرواحَ الحشراتِ؟
هذا محَلُّ نِزاع بينَ السَّلَفِ، والأدِلَّةُ فيها تكادُ تكونُ متكَافِئَةً، لكن الذي يظهرُ أن قبضَ ملكِ الموتِ للأرْواحِ عامٌّ؛ لأن (مَلك) مضافٌ إلى (الموت) فيُفِيدُ العمومَ، فيَشْمَلُ موتَ كُلِّ حَيوانٍ.
لو قال قائل: قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}، هل هذا العُمومُ يَشْمَلُ بَنِي آدَمَ؟
فالجواب: لغةً يَشْمَلُ بني آدمَ، لكن لما قال تعالى:{اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} عُلِمَ أن المرادَ ما سِوَى بَنِي آدَمَ، أما قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: ٦]، فهو عامٌّ لبَنِي آدَمَ وغَيرِهِ.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} أتى بالجُمْلَةِ الاسمية؛ لأن الجملَةَ الاسْمِيَّةَ تُفِيدُ بأصلِ وَضْعِهَا ثبوتَ الحُكمِ، والرزقُ: بمعنى العطاءِ بلا عِوَضٍ،